التطبيع بين النخب السياسية والمجتمع

سمير الهنائي

 

انتشرت مؤخراً في الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي وكالعادة صور من صور التعبير عن الرأي في قضية التطبيع بين مُؤيد ومُحايد وبين رافض، فهو سلوك بديهي جداً من خلاله تظهر ردة الفعل للمواطن العربي والمسلم تجاه أي فعل يصدر من النخب السياسية في المُجتمع العربي حول القضية الفلسطينية، لذلك هناك العديد من ردات الفعل جاءت بالتنديد الرافض لعملية التطبيع مع الكيان الإسرائيلي.

 فغالباً النخب السياسية هي من تبادر للتطبيع وليس المجتمعات وفق استراتيجية معينة كمصالح ورؤى سيادية لأي دولة في المنطقة حتى لو كان ذلك على حساب القيم والأخلاق والمبادئ، وغالباً في عالم السياسة لايوجد أخلاقيات مطلقاً . بل يوجد مايُعرف بالمصالح بكافة صورها، ولكن تبقى الأسرة في المجتمع العربي ذلك الكيان صاحب القيم والأخلاق متمسكة بالقضية الفلسطينية، وهي من تصون تلك القيم بل وتؤثر أكثر مما لا يستطيع السياسيون القيام به. فما زالت الأسرة محافظة فتبقى العقيدة الثابتة والراسخة هي الجزء الذي من خلاله ينشأ ويتكون الفرد.

وعلى سبيل المثال في القضايا الأخلاقية التي تنتشر في المجتمعات بين الحين والآخر تجد أنَّ المُتصدي الأول لها ليس الإعلام بل الأسرة المحافظة التي مازالت ترعى وتنمي روح العقيدة لدى الفرد، ومن خلالها يتحرك الإعلام فيما بعد لاحقاً مُدافعاً عن تلك القيم والمبادئ، فستظل الشعوب وحدها الخلاص وستظل فلسطين جزءًا من العقيدة لدى الشعوب العربية، ورغم محاولة التغريب في تجريف تلك القيم من الأسرة ومن خلال بروز مايُعرف "بالعولمة" بمفهومها الجوهري والحقيقي والتي بدورها لعبت دورًا كبيراً بل ومازالت تحاول تفتيت هذا الكيان المجتمعي المتراص ومحاولة اختراقنا في عقيدتنا وقيمنا، إلا أنها مازالت متماسكة، والأسرة العربية هي جزء من المخطط من أجل إبادة القيم، وفلسطين قضيتنا جميعاً ومن المبادئ الدفاع عنها والحفاظ عليها فما زالت هناك مناعة قوية لدى الشعوب اتجاه التطبيع، ومن هنا استطيع الجزم بأنَّ القضية الفلسطينية هي قضية لن تنتهي بالسلام لأنَّ السلام ذاته هو السلام الذي لا يرغب به حتى الإسرائليون في الداخل لأنه ليس بسلام عادل.

ولايُوجد حل للقضية لا بالسلام ولا بالتطبيع حتى لو طال الزمن أو قصر أو تغيرت الأجيال، والحوار الوحيد العادل في القضية هو المقاومة وأيضًا التخلص من النُّظم الفاسدة في الوطن العربي، وزوال إسرائيل هو بتوقف الدعم الأمريكي أولاً ومن ثمَّ المقاومة الجمعية الموحدة، بمعنى آخر قضية فلسطين متوقفة على الظروف التاريخية.

وكما قال "ماكس نورداو" وهو أحد مؤسسي الحركة الصهيونية في مؤتمرها الأول عندما علم بأنَّ فسطين ليس كما قيل له وطن بلاشعب بل هناك شعب داخل هذا الوطن، فردَّ عليه" هيرتزل" قائلاً: لا تقلق سوف نُعالج هذه المسألة لاحقاً. فهكذا أصبحت كلمة (لاحقاً) معلقة حتى يومنا هذا لأنه حقاً لايُوجد حل لهذه القضية وهم يعرفون ذلك جيداً ومؤمنين به إيماناً مطلقاً.

 

وأيضاً أعتقد علينا كشعوب أن نتخلص من مثل هذه المسائل المبسطة والبسيطة لدينا بالقول حينما نتحدث حول مدى قوة الكيان الصهيوني حتى وإن بالغت حولها النخب السياسية، لأنَّ أغلب الكيانات الاستيطانية القوية في زوال ولو نعود للذاكرة في القرن المنصرم كانت الكيانات الاستيطانية هشة جدا وأي نظام هش قابل للزوال وهذا مايقوله الإسرائليون أنفسهم في الداخل، خاصة النخب المعارضة في الصحف، ومشكلتنا كعرب لا نطالع الصحافة العبرية وهذه مشكلة أخرى نعاني منها نحن العرب، فإسرائيل نفسها غير مطمئنة ولا تثق في بقائها وهناك العديد من المفكرين والكتاب الإسرائليين الذين تنبأوا بهذا وهو النهاية ورحلة الخروج من فلسطين.

تعليق عبر الفيس بوك