المرأة وتعظيم الأرباح

 

د. أم السعد عبد الرحمن مكي

 

الجزائر

 

منذ البدايات المبكرة لتردد المرأة على الأسواق وهي تصنع الفرق ليس على مستوى حياتها والمُحيط الأسري، أو انعكاس ذلك إيجاباً على زوجها تحديدًا، بل على النقيض من ذلك تماماً رجحت كفة تعظيم الأرباح ودعم الأسواق الناشئة والتجار المبتدئين ممن تحولوا مع مرور السنوات وبفضل وفاء العميلات إلى تجار كبار.

استطاعت المرأة بجرأتها وبإصرارها الدائم على أن تكون هي الآمر بالصرف لميزانيتها وحتى ميزانية الزوج والأبناء أن استدعى الأمر والظروف أن تجعل لها مكانة راسخة في السوق المحلية، وهذا القرب يتمادى أكثر فأكثر وينتشر من المحلي إلى الوطني والدولي، ذلك أنَّ سيرورات التجارة المحدودة تؤثر في معادلة الاقتناء أيضاً، بدليل أن الأسواق الصينية والتركية والأوروبية والأمريكية وغيرها لم تتوقف عند حدود الأسواق العملاقة، بل هي تبحث كثيرًا عن أسواق واعدة غير مطروقة، وهذا ما تضمنه لها المرأة أينما كانت.

في الكثير من المدن الجزائرية إن لم نقل في كل مناطق الوطن لو تساءلنا عن من يقوم بعمليات السوق في جميع أوجهه تكون الإجابة حتماً (المرأة)، في مواسم الأعياد، خلال الدخول الاجتماعي، في المناسبات، في اختيار التصاميم والديكور، في إكسسوارات السيارات والمنازل، في اختيار موديلات السيارات، في انتقاء موقع الأراضي للبناء أو الشقق الجاهزة، في اقتناء مختلف مستلزمات المنزل من مواد التنظيف والخضروات والمؤونة بشكل عام.

 

إذًا، كيف لا تكون المرأة هي السبب في تعظيم أرباح السوق؟ ولئن أجرينا مقارنة بسيطة حول أساليب التسوق بين الرجل والمرأة فإنَّ المقارنة تصبح بلا معنى من حيث عدد تكافؤ موازينها البتة، ذلك أنَّ عين المرأة التي لا يملأها كما يقول المثل الشعبي (غير الدود والتراب) تصبح حيالها أساليب الرجل واهية، من حيث مدة التسوق، النقاط المركز عليها أثناء العملية التكتيكية، الزمن والسياق الذي يحدث فيه التسوق والذي ترتفع وتيرته ومخطط بشكل يصل الذروة خلال المناسبات الاجتماعية تحديدًا، ومع العودة إلى العمل أو في شأن هام، دون إغفال مدى ملاءمة الميزانية للسياق العام.

لذلك فإنَّ المرأة وبدخولها السوق ليست كطرف في المعادلة التجارية أو في حلقة البيع والشراء فحسب، بل إنَّ الحلقة كلها والمعاملة كلها تنصهر عندها، فلم يعد (العميل) يحيل إلى الرجل وفقاً للمعنى الكلاسيكي، لكنه يعنيها بشكل مباشر، والدليل على ذلك مختلف المنتجات والسلع والخدمات التي تخاطب حصرا المرأة:صوتاً، صورة، ألوانا، إشارات، رسومات، وسائط متعددة، عناصر الإثارة والإبهار، واختيار الشعارات، والتركيز على العاطفة الكبيرة في علاقة المرأة بالأشياء وعلاقاتها الاجتماعية، وهذا تحديداً ما سعت إلى الاهتمام به الشركات المنتجة للسلع والخدمات، كما دعمت ذلك بسلاسل الإشهارات التي تقف فيها المرأة في مُواجهة الرجل والابن لتأكيد أو دحض فكرة معينة والغلبة طبعاً ستكون لها.

 

 

من كان يتصور أنَّ الأسواق التي كان يؤمها الرجال يختارون ويراهنون على خفض الأسعار فيها لتراعي مقدرتهم المادية ستكون ساحة حرب عاتية بعد حين تتزاحم فيها مئات الماركات بسبب واحد هو المرأة التي لم تول أهمية تذكر للسعر بقدر اهتمامها بتلبية رغباتها، حتى أن مبدأ خلق حاجات جديدة تصبح السائد في عصرنا، وهذا حتى تبقى دائرة (النهم الأنثوي) متواصلة، وتبقى مع كل ذلك المرأة تعتقد أنها لم تفعل شراً يذكر ما دامت المصانع والشركات لا تتوقف عن الإنتاج، وما دامت الأسواق مشرعة على كل جديد، ولأنها هي عصب المعادلة التجارية فإنها حتماً هي المتحكم في تعظيم أرباح الأسواق، وهي التي ترجح كفة العرض والطلب، بل هي التي تتحكم في انتقاء السلع والخدمات في ظرف قياسي.

 

ماذا لو توقفت المرأة عن التسوق يا ترى؟ ما هي مآلات الأسواق بدون المرأة؟

 

 

تعليق عبر الفيس بوك