القيادات الجديدة

مدرين المكتومية

شاركتُ قبل عام من الآن في مُحاضرة المُدرب العالمي جون ماكسويل والتي قال فيها عبارة لن أنساها، فقد أكد أن "القادة المتميزين هم أولئك الذين يدربون غيرهم ليتولى منصبهم في المُستقبل، ولا يتشبثون بالكراسي حتى الحظة الأخيرة من العمر".

هذه العبارات تدفعنا إلى التفكير جيداً في ماهية القائد الجيِّد، وطبيعة تكوينه الفكري والمعرفي، وما إذا كان يؤمن بالتغيير وتجديد الدماء أم لا؟ فالقائد اليوم لم يعد كما كان سابقاً أقدم الموظفين وأكبرهم سناً، بل القائد هو أكثرهم علماً، والأهم من ذلك أن يكون أكثر الموظفين دراية بآليات الإدارة وعلوم القيادة.

وخلال الآونة الأخيرة، شهدت مؤسساتنا الحكومية تحولات نسبية في طبيعة هياكلها الإدارية، إما بسبب إحالة من أكمل 30 عاماً في الخدمة إلى التقاعد، أو نتيجة لجهود إعادة هيكلة مؤسسات الدولة. والحق يُقال أنَّ مثل هذه الخطوات جديرة بالثناء والإعجاب، حيث من شأن ذلك أن يسمح بالتجديد في الإدارة والرؤية والأداء بكل مؤسسة، خاصة وأننا نعيش عصراً مختلفا تماماً عن ذلك العصر الذي بدأ قبل عقود مضت، فالسرعة والديناميكية والإبداع هي السمات المميزة لعصر التحول الرقمي، والمتغيرات الحاصلة من حولنا عززت هذا التوجه، وزادت من سرعته.

لا شك أنَّ القيادات من الرعيل الأول وحتى الرعيل الثاني من مسيرة النهضة، حققوا العديد من الإنجازات المضيئة، لكن أيضاً فتح الباب أمام جيل جديد من الشباب يتحلى بالحيوية والنشاط والإبداع والتمكن، من شأنه أن يُعزز المسيرة التنموية، وأن يطلق العنان لهذه الطاقات لكي تبدع وتطور وتنهض بالعمل الإداري.

عُمان الآن تمر بمرحلة مختلفة من التقدم والنماء، مرحلة عنوانها التجديد وإعادة الهيكلة، من أجل دفع عجلة التنمية إلى مزيد من الرُّقي والتقدم. يمر وطننا الحبيب بمرحلة مغايرة تماماً عن أي مرحلة أخرى شهدها من قبل، إنِّها مرحلة النَّهضة المتجددة، التي تتزامن مع تطبيق الرؤية المستقبلية "عُمان 2040" التي ستُغير وجه عُمان اقتصادياً واجتماعياً وتنموياً. إننا في مرحلة جديدة وعصر رقمي يفرض على الجميع الاستعداد له جيداً والمنافسة فيه بقوة، ونحتاج فيه لأفكار ورؤى وتطلعات جديدة، ومن هنا يجب إعطاء الفرصة لجيل جديد من القادة تأسس على أيدي قادة قدموا عصارة خبراتهم لهؤلاء الشباب، ليقودوا المرحلة المقبلة، ولذا نؤكد أنَّ تجديد الدماء الطريق الصحيح لأنَّ العالم يتجدد كل يوم من حولنا، وبتنا في أمس الحاجة إلى توليد أفكار جديدة وانتهاج طرق جديدة نحو مستقبل أفضل.

نعيش الآن مرحلة حرجة في ظل تفشي وباء كورونا، لم ننتظرها ولم نتوقعها، لكن هكذا بين ليلة وضحاها وجدنا أنفسنا أمام قرارات اضطررنا للقيام بها، فيتعين علينا العمل عن بعد، والتعليم عن بعد، والتسوق عن بعد، والتواصل مع الآخرين عن بعد، وهو الوضع الذي كشف لنا عدم استفادتنا من التقنيات المتطورة التي خرجت إلى النور خلال السنوات القليلة الماضية، ولم تكن مؤسساتنا مستعدة بما فيه الكفاية من أجل مواكبة تلك المتغيرات الجذرية، وبالتالي فإنَّ هذا التغيير يحتم علينا تبني كل الخطوات الكفيلة بتحقيق التغيير، وأهمها تغيير العقليات وتغيير طرق الإدارة.

إننا بحاجة لدماء جديدة، وأفكار قادرة على الإضافة لما تحقق من منجزات، وليس فقط موظفون يجلسون على مكاتب ويقودون سيارات فارهة، نحتاج إلى قادة قادرين على تحريك الساكن وتسكين المتحرك إذا لزم الأمر، نريد قادة لا مديرين، نسعى لأن يُدير مؤسساتنا مبدعون لا بيروقراطيين، أن يكون الإنجاز منسوبا لفريق عمل ومؤسسة بأكملها لا إلى مسؤول يضع اسمه عليه، نريد عُمان متطورة متجددة مفعمة بالحيوية والنشاط والهمة وحسن الإدارة وجودة العمل.