أزمة تعليم.. أم أزمة تفكير؟

 

مُحمَّد بن رضا اللواتي

mohammed@alroya.net

يقترحُ جَمَاعة من أولياء الأمور أنَّ المقال الذي كَتَبه الزَّميل ناجي بن جمعة البلوشي، والمنشُور في جريدة "الرؤية" الغراء، صباح اليوم الأحد، يجب أن يوضع على لافتة بأقصى حجم متاح، ويُعلق على جدار مبنى وزارة التربية والتعليم العُمانية!

إنَّ هذه الفئة من أولياء الأمور قد فقدوا تمام الثقة في التفكير الذي يُدير عملية التعليم في السلطنة، ويبدو أنَّ الاستبيان الذي عرضته الوزارة الموقرة على أولياء الأمور قبيل أيام، كان بمثابة آخر سهم سدَّدته هذه الوزارة الموقرة على آمال أولئك الناس في تحسُّن حالة التفكير المتعلق بإدارة التعليم. لا شك أنَّ الانتقادات اللاذعة التي تعرَّض له الاستبيان، قد لاحظتها الوزارة الموقرة.

فمن جانب، جاء الاستبيان في الأسبوع الثاني من الشهر الذي تفتح فيه المدارس بالعادة أبوابها لاستقبال العام الدراسي الجديد، وفي ثلثه الأخير تحديدا! ومن جانب آخر، لم تُكلف الوزارة نفسها الإعلان عن خطتها الدراسية رغم أنَّ المدارس منذ نهاية الفصل الأول من العام الدراسي الفائت قد أغلقت أبوابها! ومن جانب ثالث، فإنَّ الاستبيان قد حمل في طيَّاته التصويت لعودة الصغار إلى المدارس، في ظل اجتياح "كوفيد 19" البلد بنحو غير غائب عنا جميعا!

قد يُقال: وما الذي تستطيع العملية التعليمية أن تفعله في الوقت الذي مضت كل هذه السنين دون أن تتوافر البُنى الأساسية لتحقيق تواجد الإنترنت في كافة أرجاء السلطنة، فضلا عن عجز العديد من الأسر عن توفير الهواتف أو الألواح الذكية؟

ولكن، عندما يتوافر نظام المحاسبة الدقيق والحازم، والذي تنص رؤية "عمان 2040" على أهمية وجوده، وتَعِد بالتغيير الإيجابي في ظله، فإن هذه التحديات قابلة للتغلب عليها، إن إجتمعت العقول لأجل إيجاد حلول حقيقية لها، ولن يتلكأ القطاع الخاص في دعمه السخي لكل مشروع جاد يريد أن يوفر أسسَ استدامة التنمية في هذا البلد، وفي أهم حقول التنمية على الإطلاق، أعني التعليم. إلا أننا لم نسمع بأية مبادرة بهذا الخصوص منذ أن أغلقت المدارس أبوابها في أعقاب الفصل الأول من العام الفائت وإلى هذه اللحظة، حتى نتفاجأ باستبيان يطلب من أولياء أمور الطلاب أن يصوتوا على خيارين لا ثالث لهما، وأحد الخيارين: العودة إلى المدارس إما بنحو دائم أو بنحو اختياري!

مقال البلوشي قد وضع بين يدي وزارة التعليم حلا سبق وطبقته، ولا تزال، بنجاح منقطع النظير (BBC لندن) تحت مسمى "BBC OPEN UNIVERSITY"؛ فلقد بثت عبر قناة خصصتها لغرض التعليم آلاف الدروس، حيث إنَّ التليفزيون يبقى الخيار المتاح في كل بيت؛ مما يسمح للعائلات وفق احتياج أبنائها الطلاب من الدروس بتنظيم أوقاتها وأوقات أبنائها ليستفيدوا تمام الاستفادة من البث التعليمي، ليكون ضمن حزمة التعليم عن بُعد؛ بحيث تتم ممارسة كل الخيارات المتاحة أمام المدارس، بجانب دروس وزارة التربية والتعليم تبثها قناة مخصصة -أو أكثر من قناة- من قنوات التليفزيون العماني. إنَّ هذا الحل سيغني الوزارة الموقرة عن الاحتياج للمدرسين الأجانب جميعا، مهما كان عددهم.

250 مليون متابع سنويا لهذه الدروس، مُؤشر يحكي عن نجاح التجربة، معنى هذا أنَّ خيارات تفعيل حقيقي للتعليم عن بُعد متاحة رغم التحديات، متاحة جدا؛ فالتليفزيون ومحطات الراديو، إضافة إلى مقدرة العديد من المدارس الخاصة على ممارسة هذا النمط من التعليم بنجاح فائق، كلها خيارات متاحة. هذه الجهود إن تضافرت وأمكن تسخير الخيارات كلها، وعبر عقد شراكات ناجحة مع دوائر المسؤولية الاجتماعية لمؤسسات القطاع الخاص، فالتضاريس الجغرافية حينها، والبُنى الأساسية الهزيلة، لن تقف عائقا تجرنا إلى الاستسلام، وتعريض الصغار إلى إصابات مميتة، وبالتالي ملء أَسِرَّة مستشفياتنا بأجسام أجيالنا الطرية والواعدة.. إنَّ التفكير بهذا الاتجاه بحد ذاته مؤشر على أنَّ راية الاستسلام البيضاء توشك أن تُرفع!

لا تبدو الأزمة أزمة توفير التعليم، بحيث إنَّ توفيره يقتضي تعريض الصغار للإصابات مميتة، وإنما الأزمة أزمة التفكير الذي يُدير عملية التعليم، والذي يبدو جليُّا من المؤشرات أنه إلى الآن لا يستطيع الخروج من الصندوق.