الصراع على "تيك توك"!

مدرين المكتومية

مع تسارع الثورة التكنولوجية وسَيل التطبيقات التي تظهر بين الحين والآخر، بتنا نعيش في عصر تتزاحم فيه هذه التطبيقات فضلا عن البرامج والمواقع الإلكترونية، التي أصبحت تحيط بنا في كل مكان، حتى في نومنا!!

وما أن ننغمس في الاهتمام بموقع أو تطبيق، إلا ونجد العالم يتسابق لطرح تطبيق آخر، وجميع هذه التطبيقات تندرج تحت فئة وسائل التواصل الاجتماعي، لكن الميزة الكبرى لها أنها تسهم بدور كبير في حياة المجتمعات، فمن بين هذه التطبيقات التي أصبحت تحظى بشعبية من الصغير قبل الكبير، برنامج المقاطع والفيديوهات والموسيقى "تيك توك" والذي يجتاح هواتف الصغار الآن، وحوّل الكبار إلى مدمنين لهذا التطبيق، معتبرين هذا التطبيق وسيلة لـ"التنفيس" عن أنفسهم، لكن الحقيقة أن الكثير من نجوم هذه التطبيقات أصبحوا "أراجوزات"، فيما انكشف البعض الآخر باعترافه ومجاهرته بالمعصية والأخطاء المجتمعية، في حين أن جيل الأطفال بات يقلد بصورة كبيرة ما يشاهده عبر هذا التطبيق.

و"تيك توك" هو تطبيق على الهواتف الذكية ظهر في منتصف 2018 ومملوك لشركة صينية، ولكن في غضون فترة قليلة استقطب 150 مليون مستخدم نشط في البداية، حتى وصل الرقم الآن إلى أكثر من 500 مليون مستخدم نشط، بينما أعداد المسجلين تصل إلى 1.5 مليار مستخدم، وهذه أعداد ليست هينة أو بسيطة. غير أن الأمر الآخر الأشد خطورة أن مثل هذه التطبيقات تستحوذ على معلومات المستخدم وبالتالي يمكن تصنيفها على أنها من التطبيقات غير الآمنة.

وعندما نتابع المقاطع التي ينشرها الكثيرون عبر هذا التطبيق، نجد أن ثمة اندفاع واضح نحو تحقيق الشهرة بأي ثمن ومقابل أي وسيلة، فهناك من جعل هذا التطبيق وسيلة للعبور وتسجيل رقم بين مشاهير السوشال ميديا، وهو أمر في اعتقادي يجب إعادة النظر فيه، حتى من قبل الحكومات والجهات التنظيمية في كل دولة، خاصة وأننا نشهد استهتارًا واضحا من بعض مرتادي هذه التطبيقات، فالأمر وصل إلى أن البعض يُصور حياته الخاصة جدا، وأكرر "حياته الخاصة جدا"، ولكم أن تفسروها كما شئتم!!

"تيك توك" سيطر على عقول الكثير من مستخدميه، وهم في النهاية أخ أو أخت أو ابن أو ابنة، لكل فرد في المجتمع، كما لم يفلت جيل الآباء أو الأمهات من شباكه، ولذا يجب أن يعلم الجميع أنه رغم كل الشهرة الواسعة التي تتحقق لهم عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي، إلا أن الحذر يظل واجبا طول الوقت، خاصة وأن الأمر لا يعود فقط لكونه تطبيقا يستمتع من خلاله الشباب بالتصوير ونشر المقاطع، ولكن هناك أبعاد اقتصادية وسياسية قد تترتب عن استخدامه. فمثلا أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رغبته في حظر تطبيق تيك توك في الولايات المتحدة، وذلك لاشتباه السلطات في احتمالية حدوث اختراقات للانتخابات الأمريكية المقررة في نوفمبر المقبل عبر هذا التطبيق.

وعلى الرغم من أن الكثير من الأشخاص استطاعوا أن يجعلوا من هذا التطبيق وسيلة لكسب العيش، إلا أن هناك مستخدمين ظهروا بطريقة غير لائقة، وهناك أطفال وجدوا أنفسهم في هذه المنصة بعيدًا عن الرقابة الأسرية، وبالتالي فإن من يشجعهم ويبحثون عنهم، يتواجدون بينهم عبر هذا التطبيق.

وهناك الكثير من المشاكل الأخلاقية التي أظهرها التطبيق، خاصة أن الكثير من الأشخاص يجاهرون بالمعصية من خلاله، وبعلاقاتهم غير المشروعة، كما إن هذه التطبيقات عكست حياة لا تمت للواقع بصلة، خاصة في مفهوم "الصداقة" و"الصحبة"، وبالتالي تولد التكالب فيما بينهم لتقديم مقاطع قصيرة، لكن بوحود شركاء وفريق عمل، مهما كانت طبيعة العمل الذي سيخرج في نهاية الأمر.

لستُ ضد أن يستخدم البعض هذه التطبيقات من أجل الترفيه أو التسلية أو حتى كسب المال، لكن أن يتم ذلك بطريقة أمينة وأخلاقية وتتماشى مع طبيعة مجتمعاتنا، على كل مستخدم أن يكون أكثر حرصا في انتقاء التطبيقات التي يسجل فيها نفسه كمستخدم، وأيضا نحن هنا في عمان بحاجة إلى سن قوانين وفرض أنظمة ورقابة على مثل هذه التطبيقات، خاصة وأن ما يحدث عبرها قد يكون مخلا بالآداب العامة ومنافيا للأعراف المجتمعية، وقد تتسبب في نتائج كارثية على المستخدمين، وخصوصا من هم دون سن الرشد والمراهقين والصبية والفتيات الصغار.. ومن هنا أقول إن المسؤولية الكبرى ملقاة على عاتق رب الأسرة الذي يتعين عليه أن يتابع وبشكل مستمر ما ينشروه أبناؤه عبر هذه التطبيقات.