الطبيعة العمانية.. اقتصاد جميل

المكرم/ أحمد بن عبدالله الحسني **

من منا لا يعشق الطبيعة وجمالها العجيب الذي أبدعه الخالق سبحانه وتعالى، وعُمان هي بلد الجمال الطبيعي بلا منازع بشهادة العالم وكل من عرفها وزارها منذ القدم وإلى اليوم، وما من مخلوق لا يحب الطبيعة بشواطئها ومياهها وجزرها وأخوارها وخلجانها وأوديتها وشلالاتها وبركها المائية وسيوحها ونجومها.. بجبالها وقممها وكثبانها وصحاريها وغاباتها ومحمياتها، وبين كل هذه الأشياء توجد تفاصيل داخلية لأشكال أخرى كثيرة من النعم الطبيعية؛ كالأفلاج والعيون والينابيع والسدود والكهوف والفيالق والمرتفعات والمنحدرات وسهول الخصب والمراعي في البادية والمزارات الأخرى، مما يضيف الراحة في النفوس والبهجة للناظرين.

كم سنكون سعداء عندما نسمع عن تأسيس شركة لتطوير واستثمار الطبيعة العمانية، ونحن هنا لا نقصد المواقع المخصصة لمشاريع واستثمارات استراتيجية كبيرة وخطط معقدة، وإنما شركة تتولى بكل بساطة تهيئة مواقع التنزه اليومي والأسبوعي  العائلي؛ كمتنفسات يسعد ويرتاح لها المواطن وأطفاله وأسرته، والمقيم وعائلته، وزوار السلطنة، وما أكثر هذه المواقع تعددًا وتنوعًا في بلادنا الجميلة، ولله الحمد، لكن بكل أسف لا تزال تفتقد للخدمات الضرورية للتشجيع على ارتيادها والاستمتاع بها، وبعضها طاله النسيان والإهمال، والأجيال الشابة طاقات حساسة تجاه الفراغ، واستغلال الأوقات والإجازات فيما هو مفيد ونافع للعقل والبدن والأسرة سيسحب بعض الساعات المهدرة التي يقضيها الكثيرون على وسائط الاتصال والتواصل، وما يعج به الفضاء الإلكتروني بشكل عام أو الانغماس في الأسواق.

هي مواقع طبيعية لا تتطلب خططًا كبيرة ولا تحتاج لانتظار مستثمر محلي أو من الخارج ولا لشريك استراتيجي ليقوم بعملية تهيئتها وتطويرها، وإنما شركة تخرج من صناديق بلادنا ومن وزاراتنا المعنية بالقطاع البلدي والمحلي والسياحي والبيئي، لتتوافق فيما بينها نحو المضي قُدُماً في بلورة وإنجاز هذا التصور دون محاصصة متكررة لا تنتهي، هذا ليس من اختصاصي وذاك مسؤولية غيري، والأمر كله لا يتعدى مجرد تنسيق خطة رباعية بسيطة بين الجهات المسؤولة، والاتفاق على آليات تنفيذها مرحلياً؛ حيث يمكن للشركة الوليدة أن تصمم خارطة إحصائية رقمية تفاعلية "إلكترونية" تحصر وتحدد جميع المواقع الطبيعية المناسبة للتنزه، الموجودة في كل ولاية بالسلطنة، وبعض المعلومات والبيانات الأساسية عن كل موقع مثل المسمى وعنوان الوصول إليه، وإعداد خطة التطوير والتأهيل المناسبة له، بما لا يقل عن 5 مواقع في كل سنة، توزع على مختلف المحافظات، وتصميم البرنامج الفصلي الربيعي أو الصيفي أو الخريفي أو الشتوي للأنشطة والفعاليات الممكنة في المواقع الطبيعية النشطة وإشعار المجتمع بأي جديد يتم إضافته في أي موقع.

ما أحوجنا لهذا النوع من الشركات العملية التي بمقدورها العمل بسرعة من الغد؛ حيث موارد الطبيعة في عُمان لا تعد ولا تحصى، وبالإمكان فيما بعد أن تُعطي هذه الشركة بعض عقودها لشركات أهلية من المجتمع المحلي حال توفرها وجاهزيتها أو لرواد الأعمال من قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

لطالما اهتمت معظم الدول بالطبيعة كاقتصاد مستدام، لا يملّه الإنسان ولا يكلف الكثير، لكنه يعطي الكثير، فأحرزت نجاحات باهرة لا يختلف عليها إثنان، وأصبحت مقصداً للكثيرين من كل بقاع العالم، فالطبيعة مورد دائم بإمكانه الإسهام فوراً في الناتج المحلي الإجمالي وفي التنمية المحلية الاقتصادية والاجتماعية وأحد الوسائل المتاحة بكل سهولة ومن دون عناء وأموال وجهود كثيرة للارتقاء بجودة الحياة العامة، وإفراد مساحات ومرافق إضافية للإجازات الأسبوعية ليخرج الناس نحو المنتزهات الطبيعية لفلترة (تنقية) ضغوط الأعمال والمعيشة، وهرباً من ضجيج المدن، ولتجديد النشاط البدني والروحي وتفاعل أفراد الأسرة إن تم التركيز على أهميتها لكل الناس، فهي ليست ترفاً زائداً وإنما ضرورة للفطرة التي فطر الله الناس عليها للتنعم والتدبر في صنع الله الذي أتقن كل شيء، والسلطنة تنفرد بمقومات الجذب الطبيعي بشكل لا نظير له.

ما أروع توظيف الطبيعة كاقتصاد متحرك ومتجدد يبوح ويفوح بأسرار الجمال، وهذا في حقيقته أحد الفنون الجميلة واللوحات التشكيلية المبهرة في الحياة لمن يقدر معنى جودة الحياة وحق الناس في التمتع بنعمها بأفضل ما يكون.

لنتعلم وندرس توظيف الطبيعة العمانية كاقتصاد وسياحة وترفيه ونشاط نفسي وجانب علمي جيولوجي وهندسي وأيضاً كبُعد حضاري أصيل، فلا نود أن يأتي الصيف ويرحل بلا خارطة مواقع مؤهلة وحزمة برامج وفعاليات وأنشطة مفيدة، ولا أن يدخل علينا الشتاء أو الربيع وينحسر من دون أجواء جديدة من أعماق طبيعة بلادنا الرائعة.

** عضو مجلس الدولة

تعليق عبر الفيس بوك