"إستراتيجية الهجوم الخاطف".. كوريا الجنوبية نموذج عالمي في مكافحة "كورونا"

ترجمة - رنا عبدالحكيم

سلَّط تقريرٌ لوكالة بلومبرج الإخبارية الضوءَ على تجربة كوريا الجنوبية لمواجهة انتشار فيروس كورونا المستجد، وقالت إنَّ مسؤولي الصحة أطلقوا العنان لنخبة من علماء الأوبئة ومتخصصي قواعد البيانات وفنيي المختبرات، لإدارة الأزمة.

وأظهر تحقيق حكومي أن الفيروس انتقل إلى البلاد عبر الحالة صفر من خلال زائر لأحد الملاهي الليلية، ثم ما لبث أن انتقل إلى طالب، ثم إلى سائق سيارة أجرة، ثم بعد ذلك بشكل مثير للقلق إلى موظف مستودع يعمل مع 4000 آخرين من زملائه.

لكن السلطات الصحية تمكنت من الاتصال بالآلاف من زملاء العمل وأفراد أسر تلك الحالات الأولى، وأجري اختبار على 9000 شخص في نهاية المطاف. وبعد أسبوعين، تم إخماد تفشي الوباء في المستودع وتقليص عدد المصابين إلى 152 حالة. ونجحت "فرق الاستجابة الفورية" في مكافحة العدوى، ومن خلالها يمكن إلقاء نظرة شاملة على الكيفية التي نجحت بها كوريا الجنوبية -التي كانت في الماضي ثاني أسوأ دولة إصابة بالفيروس- في كبح انتشاره إلى حد كبير دون عمليات الإغلاق كما حدث في جميع أنحاء العالم.

ففي الوقت الذي تتصارع فيه المدن من لوس أنجلوس إلى ملبورن إلى طوكيو مع الفيروس، تقدم كوريا الجنوبية واحدة من أكثر النماذج نجاحًا حتى الآن، في احتواء مرض قتل أكثر من 600000 حول العالم.

ولم ينخفض عدد الحالات الجديدة في الدولة الآسيوية -التي كانت رائدة في "إستراتيجية الهجوم الخاطف"- إلى الصفر، لكن عدد الحالات الجديدة اليومية تراوح إلى حد كبير من 30 إلى 60 حالة لمدة شهرين بعد أن بلغت الذروة أكثر من 800 حالة في فبراير الماضي. ويمكن مقارنة ذلك بمقاطعة لوس أنجلوس، التي أضافت 2014 حالة فقط يوم الخميس وحده.

وتتعارض إستراتيجية كوريا الجنوبية أيضًا مع عمليات الإغلاق القاسية التي فُرضت في أجزاء من الصين أو الحصار الذي تفرضه نيوزيلندا في محاولة للقضاء على الفيروس تمامًا. ويتمثل جوهر إستراتيجية كوريا الجنوبية في الاستهداف الدقيق لبؤر التفشي الخطيرة، ومن ثم السماح لمعظم الأشخاص أن يعيشوا حياتهم ويديروا الشركات دون عوائق.

وقال كوون دونغ هيوك نائب المدير العلمي بمراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها في البلاد، والذي يشرف على فرق التقصي: "إننا نتدخل عندما نلحظ فرصة لانتقال العدوى على نطاق واسع، وعملنا الرئيسي يتمثل في إيجاد الروابط بين الحالات ومنع تفشي العدوى". وأضاف "العثور على من خالطوا المصاب محتمل، ومن ثم نعكف على التحقيق في سبب الإصابة، وهذا هو لُب لما نقوم به".

وسجلت كوريا الجنوبية حتى الآن واحدة من أدنى معدلات العدوى ذات المنشأ غير المعروف، بحوالي 8%، مقارنة بأكثر من 50% للبلدان الأخرى التي عاد فيها الفيروس حديثًا. وتقلص التفشي من متوسط أسبوعي من حوالي 12 حالة إلى أقل من ست حالات هذا الأسبوع.

وتمتلك كوريا الجنوبية إستراتيجية ناجحة؛ لأنها تعلمت من التجربة المريرة في الماضي، وهو أمر لم تستفد منه الدول الغربية. فالجزء الأكبر من حالاتها التي يزيد عددها عن 14000 حالة وما يقرب من 300 حالة وفاة مرتبط بزيادة العدوى بين طائفة دينية خلال شهري فبراير ومارس الماضيين. ومنذ ذلك الحين، ساعدت العمليات التي تم تطويرها بعد تفشي متلازمة الشرق الأوسط التنفسية في البلاد "سارس" عام 2015 على منع حدوث موجة ثانية من الفيروس التاجي الجديد.

ويعملُ لدى مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في كوريا الجنوبية حوالي 100 باحث في علم الأوبئة، بزيادة اثنين فقط خلال تفشي فيروس سارس. وأثناء تفشي مرض محتمل كبير، يتم سحب العديد من فريق الاستجابة الفورية، والذي عادة ما يتكون من ستة إلى ثمانية أعضاء.

ويحقق المسؤولون في تفشي محتمل في مواقع متنوعة من تجمعات مرتبطة بالكنيسة إلى نوادي كرة الريشة أو السيارات. ويتم التعامل مع العدوى في المرافق منخفضة المخاطر أولاً من قبل مسؤولي الصحة بالجهات البلدية، في حين يتم استدعاء فريق الاستجابة الفورية للمواقع عالية المخاطر.

واتخذت دول أخرى خطوات للتقصي الوبائي وتوسيع نطاق الفحوصات؛ حيث نجحت دول مثل تايوان وألمانيا في فحص الفيروس للحد من انتشاره. لكن البعض واجه صعوبة أكبر في الآونة الأخيرة، فقد ارتفعت الإصابات في ملبورن بأستراليا إلى مستوى قياسي هذا الشهر لأن جهودها لم تكن مصممة بشكل مناسب لسكانها وغالبيتهم من المهاجرين. وحققت الهند بعض النجاح في التقصي الوبائي والحد من تفشي المرض في الأحياء الفقيرة في مومباي، لكن تكرار ذلك في أنحاء دولة تضم 1.3 مليار شخص، ثبت أنه أمر عسير.

لكن من المؤكد أن بعض التكتيكات المستخدمة في كوريا الجنوبية -التي يبلغ عدد سكانها حوالي 51 مليون نسمة- قد يكون من الصعب تكرارها في البلدان الناشئة ذات الكثافة السكانية العالية. وقد استفادت الدولة الآسيوية من تكنولوجيا المراقبة التي قد لا تكون مقبولة لمواطني العديد من الدول الغربية.

واشتمل التقصي الوبائي في كوريا الجنوبية على مراجعة مئات الساعات من لقطات كاميرات المراقبة والمرور عبر معاملات الهاتف المحمول وبطاقات الائتمان. فكاميرات المراقبة منتشرة في كل مكان في كوريا الجنوبية وتغطي جميع الشوارع وأماكن العمل تقريبًا.

وقالت كوريا الجنوبية إنها تتوقع ارتفاعا كبيرا في عدد حالات إصابة عمال البناء العائدين من العراق والمزيد من الحالات القادمة من سفينة روسية رست في أحد موانئها. وما يتم تسجيله من حالات في الوقت الراهتن، معظمها حالات مستوردة قادمة من الخارج.

تعليق عبر الفيس بوك