الانتقال من التعمين إلى التمكين (5-5)

ناجي بن جمعة بن سالم البلوشي 

إنَّ حاجة السلطنة اليوم لأن تكون بيئة جاذبة للاستثمار وتدفق روؤس الأموال إليها هو هدف لا مناص عنه لما فيه من فائدة على الاقتصاد الوطني فتنمو معه أعداد الشركات العاملة في السلطنة ليكون بذلك النمو زيادة واضحة في فرص العمل للعمانيين، وهذا كله يتأتى عند وضع شروط واضحة تعنى بالتمكين وتكون حلولا أو ثقافة جديدة عامة تصنع انسابية في التوظيف لكل مستثمر وصاحب أعمال فتمكنه من الرغبة المطلقة في الاستثمار الحقيقي في السلطنة مع إيمانه بالعنصر العماني كعامل مرغوب به وله الأولوية في شغل تلك الفرص وبها تشكل هذه الفرص خيارات كثيرة ومتعددة متاحة للباحثين عن عمل، لهذا لابد من وجود منظومة اختلافها واضحا تماما عما معمول به اليوم، لأنها حقيقة لا تلاقي أي تجاوب واضح أو رغبة حقيقية من الجانبين كما أسلفت ذكرا .

إننا إذا راجعنا المرحلة التي تعدت العشر سنوات من منظومة التعمين نجدها على نفس السياسة دون أي تجديد يذكر سوى تحويلها من جهة مختصة إلى أخرى مختصة تكون فيها غلظة وتفرغ ورقابة أكثر مع عدم وجود حلول حقيقية تدل على نمط سياسة واضحة تجمع بين المواطن والمستثمر أو أنها ستنهي ما ذكرناه، فهي كما هي في واقعها تشكل عددا كبيرا من الباحثين عن عمل في كل عام وتناقصا في أعداد المستثمرين وبها تنقلب رؤية السلطنة فيما تعيشه عما تطمح فيه من استقبال وترحيب بشركات القطاع الخاص أو توسعتها في السلطنة وما يسترغبه المواطن العماني من وظائف والتوفيق بينهما .

لهذا فإنَّ منظومة التمكين هي أسلوب فتح المجال للمستثمر في الاستفادة من تراخيص العمل للأجانب بالأعداد والجنس والمهن التي يرغب فيها دون التقيد بالاشتراطات المعمول بها حالياً كالاتفاقيات وخرائط البناء وغيرها من اشتراطات واستبدالها بوضع شرط واضح وصريح وهو تقديم عقد أو عقود عمل للعمانيين العاملين في المنشأة عند تقديم طلبات تلك التراخيص ليتساوى عددها وتصنيفها الوظيفي مع ما يطلبه من العمالة الأجنبية وبما قررته وزارة القوى العاملة من نسبة التمكين في القطاعات بمنشور واضح، كأن يكون عقد العمل للعامل العماني من نفس المهنة أو التخصص وبهذا الشرط يبدأ ذلك المستثمر في البحث عن العامل العماني من السوق العماني المتمثل في المركز الوطني للتشغيل الذي يتوجب عليه لزاماً وجود قائمة بأعداد الباحثين عن عمل أو المستقيلين والمقالين موضحين فيها السيرة الذاتية الخاصة بهم، عندها يبدأ كل مستثمر أعماله في السلطنة بالاتفاق مع العامل المطلوب وتقديم عقود العمل للجهات المختصة ليكون بعد فترة قليلة من الزمن الشح في المعروض عن الطلب.

هنا سيكون للمواطن الاختيار بين مزايا كل من يعرض عليه المهنة والوظيفية ولاستعجال الزمن واختصاره يعالج أوضاع كل المستثمرين المتواجدين في السلطنة بهذا النموذج من التشريع لتشمل الوظائف الشاغرة كل الولايات في السلطنة في أرقام تفوق أعداد الباحثين عن العمل أضعافاً مضاعفة، لأن الأصل في التمكين هو تمكين المستثمر بالاستفادة من خدمات أبناء البلد المستثمر فيه ثم استعانته بالوافدين إليها إذا تطلب الأمر ذلك فمقابل المدير مدير ومقابل الفني فني مثله، هنا سيكون الحكم واضحاً لكل من لم يمكن العماني من فرصة عمل لديه أو لا يستطيع أن يمكنه فإما أن يغلق منشأته بنفسه وبهذا يفتح السوق للشركات الكبيرة لزيادة أعمالها في السوق مع زيادة توظيفها للعمانيين أو أن يتحول لمؤسسة مسجلة في ريادة يكون مالكها متفرغاً لعمله وعاملا فيها.

أما غايتنا من فتح المجال للمستثمر في الاستفادة من تراخيص العمال الأجانب دون تحديد كثير من الشروط هو حتى لا يتكون عند المستثمر أي تخوف أوخوف مستقبلي من أداء المواطن للمنوط به بعد أن وقع العقد معه مع رفض جهات الاختصاص منحه للتراخيص أو غيرها من الأسباب كتعمين المهن، المواطن استفادته من الخبرة المتجددة بالاحتكاك بالخبرات في بلده خير من إرساله إلى بلدان للحصول عليها بالدورات أو باستضافة الخبراء والندوات، شعور المواطن بالأمان الوظيفي يكون واقعيا وحقيقيا عند وجود زيادة كبيرة في فرص العمل المرغوب فيها من قبله فتكون الاختيارات التي يضعها في تقديراته بين موقع العمل وقوة الكيان والمهنة سندا له في الاستمرار غير خائف من خسارته أو خسارة الشركة ووقوعها، فعلى سبيل المثال الآن هناك في كل ولاية مئات من شركات المقاولات بها من الوافدين الكثير بين مهندس وفني فإما أن تمكن العمانيين إضافة إلى ما معها من أجانب أو تمنح الفرصة لرواد الأعمال في فتح شركات خاصة بهم أو تترك المجال للشركات الكبيرة في فتح فروع لها وبها يكون التوظيف لأولئك العمانيين .

بالتمكين الشركات العاملة في السلطنة سترتقي عن الاكتفاء بما معها ولديها من أعمال إلى الأكثر والأوسع بشكل روتيني هذا لأنها ستنهض بأفراد موظفين من مختلف الجنسيات ولديهم من الخبرات ما لديهم كما سيساعدها على ذلك عنصر خروج الشركات المستترة من المنافسة لعدم قدرتها أو جديتها في دفع مستحقات العمانيين قبل التشغيل الحقيقي وهو ما سيكون سببًا للأولى في النهوض والارتقاء وللأخيرة في الانتهاء والزوال من السوق.

كذلك التمكين سيُساعدنا في القضاء على تجارة التراخيص وبيع السجلات والتجارة المستترة دون الحاجة إلى تكاليف مراقبة وتفتيش أو زيادة في نصوص القوانين والتشريعات ووضع الإضافية منها لأن الواقع سيتبدل من الحصول على التراخيص لمزاولة الأعمال إلى توظيف الموظفين العمانيين قبل طلب التراخيص وهو ما لا يستطيعه كل محتال ومتستر .

هناك تحديات نؤمن بتواجدها عند الانتقال إلى هذه المنظومة الجديدة لكنها لن تكون أكثر مما هي اليوم عليه فبالنسبة للتركيبة السكانية اليوم ستكون كما سنراها مستقبلا وهي ما وجدناها سابقا هذا لأنها مستقرة كنسبة وتناسب فوجود استثمارات كبيرة في البلاد يعني وجود عمالة وافدة كثيرة (المهن غير مرغوبة من العمانيين) ، أما انخفاض الأعمال فيعني انخفاض الوافدين، كما أن زيادة الأعمال في البلاد تعني زيادة فرص العمل وقلتها تعني زيادة الباحثين عن عمل (الوضع في كورونا)  وهنا سيكون الوضع أكثر شفافية ووضوحاً، فالعاملون جميعهم تحت مظلة الشركات مما سيساعدنا على التنظيم والحصول على الضرائب والمستحقات الحكومية وقد شرحت هذا في كتاب منفصل، الحوالات المالية تحدٍ آخر يمكن لنا مناقشته على استفاضة إذا وضعناها موضع الحركة الاقتصادية المتنامية لكل شيء في حركة السوق، نلفت الانتباه أيضا إلى المهن التي قد عمنت فعلاً وهي على غير رغبة من المواطنين خاصة الحرفية ومنها على سبيل المثال السائق أو العامل فإمكانية استبدال مسمى المهنة للعماني لتكون مثلاً سائق أول أو مشرف على عامل ترغيباً له فيها وزيادة لراتبه وسلطته الوظيفية، وبمثل هذه الأفكار يمكن أن يفكر الأوفياء من أبناء الأمة العمانية في أفكار تحمي إخوانهم وتساعدهم على البقاء في وظائفهم كوضع شروط ما بعد التوظيف، فمثلا  ما لم يحضر صاحب المنشأة عقد عمل جديد لتوظيف عُماني آخر لا يمكنه الحصول على الموافقة من جهات الاختصاص بإنهاء عقد عمل العماني العامل لديه ويحتسب بقاء العماني في سجل نفس الشركة إلى أن يحصل على موافقة كتابية من جهة عمله الجديدة، كما ويمكن أن تتواجد الكثير من الأفكار التي لا توقف عمل الشركة مراعاة لباقي الموظفين فيها.

رؤيتنا كذلك في إمكانية اشتمال هذه المنظومة الجديدة على الشركات المتناهية الصغر أو الصغيرة المتواجدة اليوم في السوق ( مقاهي – خياطين – كي ملابس – مافي حكمها ) فلا تسير إلا لطريقين هما إما تسجيل ملاكها في المؤسسات الصغرى والصغيرة أو تسجيلها في نظام الشركات الخاضعة للاستثمار الأجنبي، وبدون هذين المسلكين لا مجال لها  للعمل في السلطنة لأنَّ الشركات الكبيرة وأبناءنا العاملين لحسابهم الخاص (ريادة) قادرين على فتح فروع في أماكن تواجد تلك الخدمات، هكذا ستتكون منظومة جديدة من الشركات القادرة على تحريك السوق ليكون السوق هو الهدف فيحرك معه كل شيء .

حفظ الله عُمان شامخة أبية برعاية مولانا السلطان هيثم بن طارق حفظه الله ورعاه .