تشكيك في قدرة الولايات المتحدة على مواصلة مكافحة الوباء

أمريكا على أعتاب "خريف مرعب": "كورونا" والإنفلونزا وعودة الدراسة وانتخابات الرئاسة

ترجمة - رنا عبدالحكيم

في مَطلع يونيو الماضي، استيقظتْ الولايات المتحدة من كابوس دام شهورًا؛ إذ شن الفيروس التاجي هجمة وحشية على الشمال الشرقي للبلاد؛ حيث سجَّلت مدينة نيويورك وحدها أكثر من 20000 حالة وفاة، وتراكمتْ الجُثث في شاحنات التبريد، واحتمى الآلاف في المنازل، ونفدت السلع مثل الأرز والطحين وأوراق المراحيض، كما اختفت الملايين من الوظائف.

لكن بعد ذلك نجحتْ السُّلطات في تسوية منحنى الإصابات، وأعلن حُكَّام ولايات الشمال الشرقي النصر على كورونا، وعاد الأمريكيون إلى المطاعم والحانات والشواطئ، وكتبَ نائبُ الرئيس مايك بنس في مقال رأي في 16 يونيو بعنوان "نحن نكسب المعركة ضد العدو غير المرئي" أنه لا توجد "موجة ثانية" من الفيروس التاجي. لكنَّ الحقيقة أن الكابوس لم ينته إذ لم تكن البلاد مستيقظة، وكانت موجة جديدة من الحالات تتجمع بقوة مرعبة، وهو ما سلطت عليه الضوء صحيفة ذا جارديان البريطانية في تقرير.

فبينما كان بينس يكتب، أخذ الفيروس ينتشر في جميع أنحاء الجنوب الأمريكي والمناطق الداخلية، ويجد الآلاف من المجتمعات غير المصابة فيصيب ملايين جدد. وباستثناء الانخفاض الكبير في حالات نيويورك، لم يكن المنحنى مسطحًا على الإطلاق، بل تصاعد، تماشيا مع التوقعات الوبائية.

والآن، وبعد مرور أربعة أشهر على الوباء، ومع تأخر نتائج الفحوصات، وصعوبة التتبع الوبائي، وتضاؤل معدات الحماية وغرف الطوارئ مجددا، وجدت الولايات المتحدة نفسها في صراع من أجل البقاء، لكنها غارقة في الحزبية، وعدم الثقة في العلم، فضلا عن الانشغال بمعارك ارتداء الكمامات والتي يقودها رئيس تتأكد عدم أهليته بسبب لامبالاته بمعاناة الأمريكيين.

ومع اقتراب الإنفلونزا الموسمية، يطالب دونالد ترامب بعودة ملايين الطلاب إلى المدارس في فصل الخريف، ناهيك عن اقتراب الانتخابات الرئاسية بسرعة، في وقت يبدو أن البلاد معرضة لخطر التشرذم.

وقال ويليام هاناج أستاذ علم الأوبئة في كلية الصحة العامة بجامعة هارفارد: "أشعر وكأنه شهر مارس من جديد". وأضاف: "لا توجد طريقة يتم فيها تجنب عدد كبير من حالات المرض، وفي الواقع عدد كبير من الوفيات".

والمشكلة التي تواجه الولايات المتحدة واضحة، وهي ارتفاع الحالات الجديدة على الصعيد الوطني بنسبة 50% على مدار الأسبوعين الماضيين، وزيادة عدد الوفيات اليومية بنسبة 42% خلال نفس الفترة. وتتزايد أعداد الحالات في 40 ولاية من أصل 50 ولاية، وفي واشنطن العاصمة وبورتوريكو. وسجلت أمريكا الأسبوع الماضي أكثر من 75000 حالة جديدة يوميًا أي خمسة أضعاف معدل أوروبا كلها.

وقالت جينيفر نوزو عالمة الأوبئة في مركز جونز هوبكنز للأمن الصحي "للأسف نرى عددًا أكبر من الحالات اليومية أكثر مما رأيناه على الإطلاق، حتى تجاوزت أوقات ما قبل الإغلاق". وأضافت "من الواضح أن هذا اتجاه مثير للقلق للغاية نتجه إليه".

وفي الأسبوع الماضي، اقترح عمدة هيوستن بتكساس "إغلاقا لمدة أسبوعين"، بعد أن ارتفعت الحالات في الولاية بعشرات الآلاف. وقام حاكم كاليفورنيا بإغلاق المطاعم والكنائس والحانات، بينما فرض حكام لويزيانا وألاباما ومونتانا، ارتداء الكمامات في الأماكن العامة.

وقالت كايت براون حاكمة ولاية أوريجون: "إنني اليوم أدق ناقوس الخطر.... نحن في خطر خروج كوفيد 19 عن السيطرة في أوريجون".

وعلى الرغم من الموقف المريع الذي يبدو عليه الوضع الراهن، فإن الأشهر المقبلة تبدو أسوأ، وتتوقع الإدارة الأمريكية مئات الآلاف من الحالات التي تتطلب الدخول إلى المستشفيات، إذا استمرت المعدلات السنوية، خلال موسم الإنفلونزا المقبل. وسيؤدي هذا إلى المزيد من الضغط على قدرة القطاع الطبي المنهك في الأساس.

لكنَّ تفشي الإنفلونزا يُمكن أن يعيق أيضًا قدرة الولايات المتحدة على مكافحة الفيروس التاجي بطرق أخرى. وحذر أحد كبار مسؤولي الصحة في البلاد، من أن الفيروسين لديهما أعراض متشابهة مثل الحمى والقشعريرة والإسهال والتعب، وأن التشخيصات الخاطئة قد تؤدي إلى تأخير رعاية بعض المرضى حتى فوات الأوان.

ويُمكن أن يتسبَّب التسرُّع في إعادة فتح المدارس في الخريف -كما طالب ترامب ووزيرة التعليم بيتسي ديفوس دون تدابير السلامة التي أوصت بها مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها- إلى التسبب في أحداث فاصلة جديدة، مع عواقب مجهولة على الطلاب.

ومن المقرَّر أن ينتهي برنامج مساعدة البطالة الفيدرالي الذي أعطى كل طالب 600 دولار إضافية في الشهر في نهاية يوليو. ويتم تعليق حزمة جديدة للإغاثة الخاص بالفيروس التاجي في الكونجرس بسبب اتهامات الجمهوريين بأن الولايات تهدر الأموال، وإصرارهم على أن أي تشريع جديد يشمل حماية المسؤولية للشركات التي أعيد فتحها خلال الوباء.

وثمَّة انقسام حزبي إزاء إلزامية ارتداء الكمامات، مع اشتداد التفشي. وارتفعت نسبة الجمهوريين الذين يقولون إنهم يرتدون كمامات كلما غادروا المنزل 10 نقاط إلى 45% في الأسبوعين الأولين من يوليو، بينما أفاد 78% من الديمقراطيين بذلك، وفقًا لاستطلاع أجرته شركة أكسيوس إبسوس.

وأثار الفيروس الهائج تكهنات بأن المخرج الوحيد للولايات المتحدة هو من خلال نوع من "مناعة القطيع" التي تتحقق بمجرد الاستسلام. ويقول علماء الأوبئة إن ذلك يقلل بشكل كبير من المأساة الإنسانية التي قد ينطوي عليها مثل هذا السيناريو، على شكل عشرات الملايين من الحالات الجديدة وآلاف الوفيات غير المعروفة.

لكنَّ سؤالا حول ما إذا كانت الولايات المتحدة، على الرغم من ثروتها وخبرتها -واحترامها لذاتها كممثل استثنائي على المسرح العالمي- يمكنها استدعاء الإرادة لمواصلة القتال؟ فقد سئم العامة من محاربة الفيروس ومحاربة بعضهم البعض.

تعليق عبر الفيس بوك