كتاب جديد للصحفية والمؤرخة الأمريكية آن أبلباوم

"شفق الديمقراطية".. شرح لأسباب لجوء النخب الديمقراطية نحو الشعبوية والاستبداد

◄ المستبدون لا يحكمون بمفردهم.. ونظرية المؤامرة والاستقطاب السياسي أسلحتهم

◄ أمريكا بقعة موحشة على الأرض وكابوس لكل إنسان

◄ الغرب يعاني مزيجًا سامًّا من الغطرسة والسذاجة وعدم الكفاءة

ترجمة - رنا عبدالحكيم

تشرح الصحفية والمؤرخة الأمريكية الحائزة على جائزة بوليتزر آن أبلباوم، بوضوح شديد أسبابَ اتجاه النخب في الديمقراطيات حول العالم نحو القومية والاستبداد؛ وذلك في كتابها المعنون "شفق الديمقراطية.. السحر المغري للسلطوية".

المؤلفة.jpg
 

فمن الولايات المتحدة وبريطانيا إلى أوروبا القارية وما وراءها، وقعت الديمقراطية الليبرالية تحت الحصار، بينما أخذت السلطوية في التصاعد. وآن أبلباوم، صحفية ومؤرخة نجحت في تأريخ الفظائع السوفييتية وحازت على جوائز عدة، وكانت من أوائل الصحفيين الأمريكيين الذين دقوا ناقوس الخطر بشأن الاتجاهات المعادية للديمقراطية في الغرب، وفي هذا الكتاب تسلط مصابيح الضوء على إغراءات القومية والاستبداد. وتجادل أبلباوم بأن الأنظمة السياسية ذات المعتقدات البسيطة جذريًا جذابة بطبيعتها، خاصة عندما تفيد الموالين لاستبعاد أي شخص آخر.

وترى المؤلفة أن القادة الاستبداديين لا يحكمون بمفردهم؛ بل يعتمدون على الحلفاء السياسيين والبيروقراطيين والشخصيات الإعلامية لتمهيد طريقهم ودعم حكمهم. وتضيف أن الأحزاب الاستبدادية والقومية التي نشأت داخل الديمقراطيات الحديثة تقدم مسارات جديدة للثروة أو السلطة لأتباعها. وتتطرق الكاتبة إلى العديد من المدافعين الجدد عن الليبرالية حول العالم، وتوضح كيف يستخدمون نظرية المؤامرة، والاستقطاب السياسي، ووسائل التواصل الاجتماعي، وحتى الحنين إلى الماضي لتغيير مجتمعاتهم. فمثلا يشكل المسلمون حوالي 4% من سكان إسبانيا، لكن عندما يُطلب من مشاركين في استطلاع تخمين النسبة المئوية لهم، يرجحون نسبة أكبر. وثمة تناقض مماثل في جميع الديمقراطيات الغربية؛ إذ إنَّ الإنذار الديموغرافي -سواء كان قائماً على الواقع أو الخيال أو مليئًا بالأباطيل- فإنه يوفر خيارات متنوعة للحركات الوطنية التي اجتاحت العالم في السنوات الأخيرة.

وتتحدث أبلباوم في الكتاب عن مسحها الشامل للقوميات السياسية، وتقول: "فكرة أن الحضارة المسيحية بحاجة لإعادة تعريف نفسها ضد العدو الإسلامي تحرز صدى تاريخيا خاصا في إسبانيا". وتضيف أن نسبة كبيرة من المهاجرين يأتون من أمريكا اللاتينية الكاثوليكية، لكن يتم تجاهلهم في الغالب من قبل اليمين المتطرف. وفي نوفمبر الماضي، حقق حزب "فوكس" اليميني المتطرف مكاسب هائلة في الانتخابات العامة، ليصبح ثالث أكبر حزب في إسبانيا.

وتعرِّج الكاتبة بعد ذلك على الحديث عن بولندا؛ حيث تزوجت من وزير الدفاع ووزير الخارجية البولندي السابق.  وتحدثت عن عدد من "الأصدقاء البولنديين"، فتقول إن العديد منهم يروجون لنظريات المؤامرة اللاسامية على الإنترنت، رغم أنهم لم يفقدوا وظائفهم أو لم يجدوا مسكنا بسبب المهاجرين، معتبرة أنهم يندرجون ضمن فئة "المتخلفين". وتتعجب أبلباوم من هؤلاء الأشخاص؛ حيث إنهم حصلوا على قسط تعليمي عالٍ وسافروا إلى دول مختلفة، وتتساءل: لماذا إذن يتبنون وينشرون الأكاذيب وأنصاف الحقائق التي رسمها حزب القانون والعدالة في بولندا؟

وتقول إن الدرس الأول في علم التاريخ يؤكد أن السلطويين يحتاجون إلى دعم جماعي، لكن كما هي الحال مع الفاشيين في ثلاثينيات القرن الماضي، فهم بحاجة أيضًا إلى تعاون القابعين في المناصب الكبيرة. وتشير المؤلفة إلى أنه "في ظل الظروف المناسبة، يمكن لأي مجتمع أن ينقلب ضد الديمقراطية".

وتوجِّه الكاتبة سهام النقد إلى العديد من الشخصيات مثل لورا إنجراهام، وهي إحدى معارفها السابقين، والتي أصبحت تقدم نوعًا معينًا من برامج "التوك شو" السياسية الأمريكية، وقالت عنها: "لقد قامت -مثل كثيرين آخرين في عالم فوكس- بتصوير المهاجرين غير الشرعيين على أنهم لصوص وقتلة، على الرغم من الأدلة الدامغة على أن المهاجرين يرتكبون جرائم أقل بشكل عام من الأمريكيين المولودين في البلاد أصلًا".

وترى الكاتبة أمريكا على أنها "مكان موحش وكابوس للجميع؛ حيث ماتت المثالية، وحيث تشتعل الحرب الأهلية والعنف؛ وحيث "النخبة" التي تتمرغ في الانحلال والفوضى والموت". وتتساءل: كيف يؤمن هؤلاء الأشخاص بما يقومون؟ ويمكن للقارئ أن يشعر بالإحباط أثناء كفاحها للإجابة عن السؤال بين فصول الكتاب.

وتنتقل الكاتبة للحديث عن بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني، الذي تناولت معه العشاء عندما كان عمدة لندن، وقالت إنه عبَّر بوضوح عن "أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيكون كارثة".

وترى الكاتبة أنه في كل خطوة، عانى الغرب من مزيج سام من الغطرسة والسذاجة وعدم الكفاءة. وقوض الغرب عرضه السياسي للدول الشيوعية السابقة منذ لحظة انهيار حائط برلين والاتحاد السوفييتي. وأصبح شعار "لا بديل" هو الأساس لموجة رهاب الأجانب الشعبوي والوطنية الرجعية التي استغرقت عقدًا أو أكثر كي تتطور. لكن حتى في تسعينيات القرن الماضي، في الاتحاد السوفيتي بدأ السياسيون في تزوير ولائهم للمؤسسات الديمقراطية، و"وجد معظمهم أن تزوير الديمقراطية أمر طبيعي تمامًا لأنهم كانوا يزيفون الشيوعية منذ عقدين على الأقل".

ويمكن القول إن كتاب "شفق الديمقراطية "، الذي ألفته أبلباوم بأناقة، وجادلت فيه بقوة، بمثابة تشريح دقيق لتحول يهز العالم، مع لمحة من الطريق المؤدية إلى القيم الديمقراطية.

تعليق عبر الفيس بوك