"إمبراطورية أردوغان".. تفنيد لـ"أوهام" التوسع التركي في الشرق الأوسط

ترجمة - رنا عبدالحكيم

بين مُؤيِّد ومُعارض لمسار السياسة التركية خلال الآونة الأخيرة على وجه التحديد، يُضفي مجهودٌ تأليفي ضَخْم لـ4 مجلدات وعشرات من موجزات السياسات والتقارير، بعض المنطقية على قراءة ما بين سطور "إمبراطورية أردوغان.. تركيا وسياسة الشرق الأوسط"، لسونر كاجابتاي مدير برنامج البحوث التركي في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، والذي يبحث فيه عن مسار تركيا الدولي تحت قيادة الرئيس الحالي للبلاد ورئيس الوزراء السابق رجب طيب أردوغان.

المؤلف.jpg
 

فالكتاب يتناول سياق تطور السياسة الخارجية التركية على مدى العقدين الماضيين، وعلى طول هذا المسار، يشرح كاجابتاي كيف يستخدم أردوغان -الذي يصفه المؤلف بأنه الزعيم التركي الأكثر تبعية منذ مؤسس الدولة ومهندسها الرئيسي مصطفى كمال أتاتورك- الماضي العثماني لإضفاء الشرعية على طموحه اللا محدود لجعل تركيا قوة عظمى قائمة بذاتها. ذاكرًا في سياق ذلك أنه ومنذ العام 2016، اعتمدت "إمبراطورية أردوغان" على دعم نوايا روسيا لإحراز تقدم في القوقاز وآسيا الوسطى. في حين أن ذلك يتناقض مع الفترة العثمانية عندما وصفت موسكو الإمبراطورية العثمانية الشهيرة بأنها "رجل أوروبا المريض" التي أرادت تفكيكها. وعلى ما يبدو أنه محق في ذلك إذ إنه ورغم تطور القوة الناعمة التركية من خلال المسلسلات الشعبية والارتباطات الاقتصادية، إلا أنَّ العديد من الدول العربية لا تشارك ذكريات أردوغان الحنين للأيام العثمانية القديمة.

كتاب سونر كاجابتاي يتناول بالتفصيل طبيعة الروابط التجارية في تركيا، والعلاقات السياسية والاستثمارات في البنية التحتية في أماكن بعيدة كجنوب الصحراء الكبرى وشرق إفريقيا ووسط آسيا، ويدعم تحليلاته بعرض سياق الأحداث التاريخي وأهميتها الجغرافية السياسية الحالية. ولعل ما لفت انتباه كاجابتاي بشكل خاص كان مشاركة تركيا المتزايدة في البحر الأحمر؛ حيث تلعب المنافسة الإقليمية بين الإمارات ومصر ودول الخليج من جهة، وتركيا وقطر من جهة أخرى.

وينتقل الكتاب من الخارج إلى الداخل، ليشرح تعقيدات السياسات الكردية في تركيا، خاصة في ضوء قرار إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، تسليح وحدات حماية الشعب الكردي السوري (YPG) ضد تنظيم داعش. راصدًا كيف أزعج هذا الأمر الكثير من الأتراك بسبب الروابط القوية لوحدات حماية الشعب بحزب العمال الكردستاني الانفصالي، الذي أودت حربه ضد الدولة التركية منذ الثمانينيات بحياة ما يقدر بنحو 40 ألف مواطن. ومع ذلك، يدرك كاجابتاي أنه ومن خلال جر القدمين ورفع العقبات، أضاعت أنقرة فرصة العمل مع الولايات المتحدة ضد "داعش".

ما يُمكن ملاحظته بوضوح خلال صفحات الكتاب، أنَّ كاجابتاي يتجنب استخدام مصطلح "العثمانية الجديدة"، وعلى الرغم مما يحمله ذلك من منطقية باعتبار المصطلح غير محدد ويعني أشياء مختلفة إلى حد كبير لأشخاص مختلفين، إلا أنَّ مصطلح "إمبراطورية أردوغان" يمثل هو الآخر إشكالية؛ فهو يمنح أردوغان الكثير من الفضل؛ وهذا غير صحيح؛ فإدارة أردوغان للشؤون الدولية تتسم بالتهور. لذا يلتزم كاجابتاي بالرجوع بشكل متكرر إلى أحمد داود أوغلو -وهو أكاديمي أصبح وزيرًا للخارجية ثم رئيسًا للوزراء- من أجل شرح الأسس الإستراتيجية للنظرة الدولية لتركيا حتى عام 2016.

"اليوم.. وإضافة لحملة القمع الداخلية على الحريات المعارضة والصحفية، مدفوعة بأسلوب حكم أردوغان، تُواجه تركيا عالما معاديا".. إلى هذه القناعة خلص كاجابتاي، مُعتبرًا أنَّ أنقرة لم يكن لديها تقريبًا أصدقاء في الشرق الأوسط، كما لا يمكنها الاعتماد على الدعم غير المشروط من حلفائها الغربيين التقليديين.. فهي تواجه تهديدًا من الخصوم التاريخيين الجدد: روسيا وإيران.

تعليق عبر الفيس بوك