الملف الذي آمنا به

خميس الصلتي

khames19@gmail.com

في كتابه "المتخفي، الحيوات السرية للدماغ" تحدث عالم الأعصاب الأمريكي ديفيد إيجلمان عن الكفيف، خصوصاً ذلك الذي ولد وهو فاقد للبصر حينما قال: "إنِّه لا يفقد شيئاً لأنَّ البصر لم يكن جزءًا من واقعه في المقام الأول" هكذا يجب أن ينظر الكفيف إلى نفسه أولاً، وهكذا يجب أن ينظر إليه المُجتمع دون نظرة الاستنقاص تلك التي تُهمّش دوره ليكون عضواً فاعلاً.

يكاد أغلبنا سمع أو قرأ ما آلت إليه جمعية النور للمكفوفين من مناوشات أودت بها إلى أزقة المحاكم وعلى أروقة القضاء وهو ما لم نعهده على الجمعية في سالف عهدها من لحمة تعكس حجم الإخاء الذي يجمع أعضائها ومن تكاتف شهدناه في عطائها للكفيف نفسه وللمجتمع بشكلٍ عام.

إنَّ المتتبع لملف القضية الذي بدأ باعتراض أعضاء الجمعية على انتخابات الجمعية للفترة 2021/2020 والذي حُسم لصالح الأعضاء ضد مجلس الإدارة وما ارتكبته وزارة التنمية الاجتماعية من مُخالفات تجاه تطبيق حكم محكمة القضاء الإداري إلى أن وصل ملف القضية أخيراً من إصدار محكمة القضاء الإداري بإلغاء قرار وزارة التنمية وإرغامها على إبطال انتخابات مجلس إدارة جمعية النور للمكفوفين الذي لم يكن أعضاؤها على توافق واتفاق معه.

بعيداً عن أروقة المحاكم وملفاتها، لنعُد إلى ما أشار إليه ديفيد إيجلمان في كتابه على عدمية فقدان الكفيف لجزء من حياته، ورغم سلبية ما آلت إليه جمعية النور للمكفوفين من شتات توزع بين المحاكم وبين خلافات بين أعضائها أنفسهم وهو ما يدل على عبثية تلك الأيدِ في قوام الجمعية، واستصغارها لشأن أعضائها الذين خالفوا كل تلك الظنون تجاه الكفيف وكلمته التي أبى إلا أن تصل ليسمع صداها من سولّت له نفسه المساس باستقلاليته وقدرته على إدارة ذاته أولاً وإدارة مجتمعه ثانياً، لنعد إلى إيجلمان ثانية وما أكده في كتابه نجده حاضراً هنا في أبهى صوره، فمن ذلك الذي يُعاني فقداً يتجشم عناء وصول المحكمة ليُدافع عن قضية آمن بها؟ وأي نقصٍ يعانيه أحدهم وهو الذي أثار القضاء الإداري ولم يقعده حتى تحقق ما يصبو إليه من تحقيقٍ للعدالة وإنصافٍ للحق؟ إنَّ الملف هذا يدمغ كل تلك المعتقدات حول الكفيف وقدراته، إن هذا الملف رسالة إلى أولئك الأعزاء من فئة المكفوفين الذين وقعوا في شراك الظن، بأنَّ للكفيف كلمة مهما استصغرها الآخر يبقى أصلها ثابت في الأرض وفرعها يعانق عنفوان السماء، إن الملف هذا رسالة للجميع أن لله جنود في أرضه وفي سمائه، تحيط بالمظلوم وترشده إلى طريق العدل، وأنه ساخطٍ ما لم تتحقق عدالته في أرضه، وأني والله استشعر عظمته جلَّ جلاله ورضاه تجاه كل مظلوم أجيبت دعوته وسعى لنيل حقه، وإن للملف هذا رسالة أخيرة إلى أولئك الذين يحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم أن الكفيف كان ولا زال في كامل قواه التي تمكّنه من ما ظنوا أنه ليس قادراً عليه.

إلى أولئك الذين آمنوا بالجمعية، وشعروا بعظمة الانتماء إليها، ثقوا تماماً إن الأزمة إما أن تُدمر أو تصنع منك شيئاً عظيماً تصعب هزيمته، وإن انتصارها هذا هو انطلاقة إلى رسالة أسمى وغاية أرقى.

تعليق عبر الفيس بوك