ارتدادات عكسية لـ"كوفيد- 19".. خيبات أمل إنسانية وندوب اجتماعية غائرة

ترجمة - رنا عبدالحكيم

لم تكن وَحْدَها التداعيات الصحية والاقتصادية السلبيَّة، هي الارتداد العكسي لتفشي مرض "كوفيد 19"؛ وفق الشائع؛ إذ كشفت الجائحة عن عيوب غائرة في مُجتمعاتنا تفاقمت على مدى عقود، وتجلَّت اليوم في خيبة أمل كبيرة من الناس في حياتهم ومعيشتهم؛ وذلك حسب ما أفادت به منوش شفيق مديرة كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، في مقالها الذي نشرته "فايننشال تايمز" البريطانية.

فمنوش ترى أنه وحتى قبل تفشي الوباء، وجدت استطلاعات رأي أنَّ 4 من كل 5 أشخاص في الولايات المتحدة وأوروبا والصين والهند والعديد من البلدان النامية، يعتقدون أن "النظام" لا يعمل لصالحهم. وأنَّه مع تسارع وتيرة الإصابات بـ"كورونا" برزت هذه التحديات بصورة أكثر مبالغة؛ لا سيما عدم كفاية أنظمة الرعاية الصحية، والطبيعة متزايدة الخطورة للعمل والمفاضلات الصعبة بين الأجيال. وقالت منوش: "لدينا الآن فرصة لاستخدام هذه الأزمة لتحديد شكل العقد الاجتماعي الجديد الأكثر إنصافًا للجميع".

وعززت منوش طرحها بما تراه لوازم العقد الاجتماعي الجديد؛ قائلة: على المستوى الصحي، "حان الوقت لتحقيق التغطية الشاملة الحقيقية؛ فقد أحدثت ثلاثة أوبئة قاتلة هي: سارس وميرس وإيبولا، عواقب وخيمة، لكن تمَّ احتواؤها جغرافياً، إلا أنه وعلى النقيض من ذلك، اجتاح "كورونا" العالم وتسبب في دمار، لا سيما على أولئك الذين يعانون من نقاط ضعف صحية. ويمكن لمعظم البلدان تحمل ذلك، باستثناء المجتمعات ذات الدخل المنخفض التي يتزايد سكانها بسرعة والتي ستحتاج إلى مساعدة أجنبية لتلبية الحد الأدنى من المتطلبات الصحية".. منوش ترى كذلك أنه وحتى تصبح الرعاية الصحية الأساسية عالمية، فنحن آمنون فقط مثل أضعف نظام رعاية صحية في العالم.

المقال الذي نشرته "فايننشال تايمز" البريطانية، ركز على أنَّ من شأن عقد اجتماعي جديد "أن تتم معالجة الانتشار المتزايد لنماذج التوظيف الأكثر مرونة؛ حتى يتحمل العمال بشكل متزايد خطر عدد الساعات التي سيعملون فيها، وكيف سيعتمدون على أنفسهم إذا مرضوا، وإذا كان لديهم معاش، فما دخلهم عندما يصبحون مسنين". ومن المثير للاهتمام بحسب ما تطرقت إليه مديرة كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية "أن هذا النمط هو نفسه السائد في البلدان الغنية والفقيرة، وأنَّ هذه المرونة لها بعض الفوائد، خاصة لأصحاب العمل والاقتصاد، لكنها تفرض أيضًا تكاليف اجتماعية ومستويات أعلى من انعدام الأمن بالنسبة للكثيرين".

منوش شفيق شددت كذلك على أنَّ العقد الاجتماعي الجديد حول العمل لابد أن يوفر قدرًا أكبر من الأمان؛ موضحة أنه "يجب أن نفكر بشكل مختلف حول تقاسم المخاطر بين الأفراد وأصحاب العمل ودافعي الضرائب. وتشمل العناصر الأساسية لعقد اجتماعي جديد وضع حد أدنى لدخل الأشخاص؛ من خلال حد أدنى أفضل للأجور أو إعانات للأجور، وتفويض مزايا للعاملين المرنين واستثمار موارد جادة في إعادة تدريب أولئك الذين يواجهون البطالة".

وتنقسم البلدان بين تلك التي توفر مرونة منخفضة وحماية عالية (معظم أوروبا)، ومرونة عالية وحماية منخفضة (الولايات المتحدة)، وحماية منخفضة مع مرونة منخفضة للقطاع الرسمي ومرونة عالية للقطاع غير الرسمي (معظم آسيا، إفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية). وتحتل بلدان قليلة - الدنمارك ونيوزيلندا واليابان وأستراليا (البقعة الحلوة)، في توفير مرونة عالية وحماية عالية، بحسب ما أبانت منوش؛ قائلة: "إنهم يحققون التوازن الصحيح؛ مما يمنح أصحاب العمل المرونة لتعديل قوة العمل الخاصة بهم، مع التأكد أيضًا من دعم العمال أثناء انتقالهم إلى وظائف أخرى، مع الحفاظ على مستوى معيشي معقول".

وتحت سؤال فرعي: "كيف يمكننا بناء عقد اجتماعي أكثر عدالة بين الأجيال؟"، أسهبت مديرة كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، بالقول: علينا أن نبذل قصارى جهدنا لإصلاح الأضرار البيئية، وإحراز تقدم في تخفيض الديون الحكومية بأسرع ما يمكن. كما أنه وللمساعدة في تقليل العبء المالي على الأجيال القادمة، قد يحتاج كبار السن اليوم إلى العمل لفترة أطول، وفي معظم الاقتصادات المتقدمة اليوم، يمكن أن يتوقع الناس قضاء حوالي ثلث حياتهم البالغة في التقاعد. وهذا يجعل المعاشات التقاعدية غير مستدامة. إن ربط سن التقاعد بالعمر المتوقع سيساعد على سد هذه الفجوة".

واختتمت منوش شفيق مقالتها بالتأكيد على الحاجة للاستثمار في الجيل القادم لتمكينهم من أن يكونوا منتجين على مدى حياة العمل الطويلة جدًا.

تعليق عبر الفيس بوك