التعليم

 

 

د. علي زين العابدين الحسيني *

* باحث وكاتب أزهري

التعليمُ صناعة كغالب الصناعات؛ فمن لم يأخذ بأسباب الصناعة التعليمية ضاعتْ صناعته، والاهتمام به وبمناهجه وأدواته وأساليبه من أهم الأركان التي يقوم عليها بناء الدول الحديثة، وتقاسُ حضارة الدول الراقية بمقدار ما يقومون به من تعليمٍ وما يتبعه من نشاطٍ ثقافي.

يُساعدُ تطويرُ دور المدارس، والإنفاقُ السخي على التعليم وإصلاح مناهجه في بناء رأس المال المعرفي في المجتمع، على أنَّ أغلب مَن ينادون بإصلاح مناهج التعليم وينفقون من أجل ذلك الكثير فإنهم يعتمدون في دراساتهم على التقليد والمحاكاة للدول الرائدة مع أنّ المشارب مختلفة، والوجهات متعددة، والبيئات متباينة.

والتعليمُ شيء بسيط ليس فيه تعقيد؛ فهو باختصار مكانٌ محدود يجتمع فيه طلابٌ يَدرسون، وأساتذة ومعلمون يُدرِسون، فيتعلم الطلاب من المعلمين ما ينفعهم في دنياهم من مهارات وأساليب، وما يصلحهم في دينهم؛ فلا يشترط فيه مجمعٌ حاشد أو بناءٌ فاخر.

يتطلبُ الأمر فقط في العملية التعليمية تحديدَ الغاية ومعرفة الهدف، ثم يعقبها العكوف على تحصيل المرجو منها دون النظر للأماكن؛ فإن وجدت الأبنية الفاخرة مع الاهتمام بأصل التعليم فهو المطلوب، لكن إذا كان الاهتمام بالوسائل أكثر من تحقيق المقصود فلا شك أنه ابتعاد عن الأهداف الأساسية.

وسواء قدَّم أهلُ التعليم الطلاب على المعلمين، أو المعلمين على الطلاب؛ فالواو عند النحويين لا تفيد ترتيباً ولا تعقيباً، والشيء المؤكد أنَّ المعلمين هم أساس العملية التعليمية، وأنهم فوق أيّ تقديم؛ لأنهم كل شيء، فلولا وجود المعلم ما نبغ الطلاب، والمعلمون دائماً هم جنودٌ مجهولون عبر التاريخ.

لا ريبَ أنَّ أفضل العاملين في سبيل نهضة التعليم ونبوغ الطلاب هم مَن يخطون الخطوة الأولى في سبيل تفهيمهم المادة العلمية بسهولة، والتدرُّج معهم في المادة الدراسية مع صقل مهاراتهم، وتنمية مواهبهم، وتكوين عادة القراءة لديهم؛ لأنه سيضع بذلك الحجر الأول في بناء المجتمع المدرسي الثقافي.

تعدُّ التربية من المكونات الأساسية في التعليم، وهي أعظم من أن تُقَوم بالكلام دون وقوف على حقيقتها، ويستدل عليها بالأثر والمخرَج، فاختيار المعلم المؤثر والمربي أهم في مصلحة التعليم من اختيار المنهج المناسب، فائتني بمعلم مناسب، ولا تأتني بمنهج مناسب؛ لأن المعلم يصنع المنهج، والمنهج لا يصنع معلماً، كما أنّه لا تلازم بين التعليم والتربية إلا إذا كان التعليم صحيحاً، ولا يكون كذلك إلا إذا كان التعليم ممزوجاً بالتربية العملية.

أضربُ لك مثالاً على ضرورة اختيار المعلم بانتقاء، فبعض المعلمين يلقون على المتعلمين الغايات في بعض العلوم في بدايات التعلم؛ مما يسبب عجز المتعلم عن الفهم، فينفر عن العلم، وربما أدى ذلك إلى هجران العلم بالكلية، والهجران في حقيقته أتى من سوء التعليم، وهو ما أشار إليه ابن خلدون في مقدمته.

لهذا؛ فإن أيَّ إصلاح في دور التعليم لا يجعل المتعلم هدفه من خلال تنمية مواهبه وصقل مهاراته وتحصين فكره من الأفكار المتطرفة وتنمية سلوكه؛ فإن جهوده تكاد تكون معدومة مع ضرورة التأكيد دوماً على أنّ الإحسانَ إلى المتعلمين بالتزود من المعرفة ينشأ عنه المستقبل العظيم لأوطانهم، وهو سعي ومطلب الجميع.

تعليق عبر الفيس بوك