أستاذ الأساتذة.. عطاء لا ينضب في العقد العاشر من حياته

بعامه التسعين.. الفيلسوف يورجن هابرماس يقدم عصارة خبراته في "تاريخ الفلسفة"

الكتاب يجيب على السؤال المحير حول وظيفة الفلسفة في عالم اليوم

الفيلسوف يستخدم الخطاب التحليلي حول الإيمان والمعرفة

هابرماس يتتبع كيف أصبحت الفلسفة علمانية بعدما فصلت نفسها عن الدين

ترجمة- رنا عبدالحكيم

ذاع صيت الفيلسوف الألماني الكبير يورجن هابرماس، بفضل تحليلاته الفلسفية العميقة للديمقراطية وسيادة القانون، ليكون بذلك أحد أبرز المفكرين تأثيراً في عصرنا، ومع بلوغه 90 عامًا من العمر، يتأهب لإصدار كتاب جديد في سبتمبر بعنوان "هذا أيضاً تاريخ الفلسفة"، وهو عمل من مجلدين يتألف من 1700 صفحة، والذي، وفقًا لناشريه، لا يُغطي فقط تطور الفلسفة منذ العصور القديمة، لكنه يعكس أيضًا الدور الذي مارسته في المجتمعات على مر العصور.

وكعادة هابرماس دائماً ما يهتم في مؤلفاته بالصورة الكبيرة، وكان دائمًا على استعداد للمشاركة في المناقشات الاجتماعية الرئيسية. وهو واحد من المثقفين العامين القلائل في ألمانيا الذين يتخذون بانتظام موقفًا بشأن القضايا السياسية.

وفي كتابه الجديد يحاول الإجابة عن سؤال يشغله دائما عن وظيفة الفلسفة في عالم اليوم. من خلال استخدام علم الأنساب، يدرس كيفية ظهور الأشكال السائدة اليوم من الفكر الغربي "ما بعد الميتافيزيقي". وباستخدام خطاب تحليلي يدور حول الإيمان والمعرفة، والذي انبثق من تقاليد محورية قوية في الإمبراطورية الرومانية، يتتبع هابرماس كيف فصلت الفلسفة نفسها عن الدين وأصبحت علمانية.

ومن منظور منهجي وبتفاصيل دقيقة، يعرض هابرماس الصراعات الحاسمة والدروس المستفادة ونقاط التحول في تاريخ الفلسفة، إضافة إلى التحولات المصاحبة لها في العلوم والقانون والسياسة والمجتمع. فالكتاب الجديد ليس فقط عن تاريخ الفلسفة، بل إنه أيضًا انعكاس لوظيفة فلسفة تلتزم بالحرية العقلانية للمواضيع الاجتماعية التواصلية.

غلاف بالألماني.jpg
 

وعن جائحة كورونا، يقول الفيلسوف الكبير: "في هذه الأزمة، يجب علينا أن نشتغل في المعرفة الصريحة على اللامعرفة الخاصة بنا" وذلك في مقابلة مع إحدى الجرائد الفرنسية. كما قال أيضًا إنه يجب على الحكومات والسلطات الصحية، إلى جانب الأفراد، ألا تتخذ قرارات حاسمة دون فهم كامل لطبيعة وحدود الخطر الذي يُواجهنا. وفي مثل هذه الحالة، فإنَّ الطريق إلى الأمام هو طريق لا يتحكم فيه التفاؤل والتشاؤم، وإن فعل خلاف ذلك فكأننا سمحنا للوباء بتشكيل ليس فقط حياتنا اليومية، ولكن حتى الطريقة التي نتخيل بها طبيعة الوجود نفسه.

ويرى الفيلسوف الألماني الشهير أن التحديات الأخلاقية التي تواجهنا في أزمة كورونا تتمثل في الخطر الذي يشكله عدم قدرة وحدات العناية المركزة في المستشفيات على استيعاب المزيد من المرضى، وهو خطر تخشى منه أغلب الدول وقد أصبح بالفعل حقيقة واقعة في إيطاليا، وهو يثير سيناريوهات طب الكوارث، التي تحدث فقط خلال الحروب. إذ عندما يتم قبول المرضى بأعداد كبيرة للغاية على نحو لا يُمكن علاجهم كما ينبغي، يضطر الطبيب حتمًا إلى اتخاذ قرار مأساوي، بتفضيل مريض على آخر، لكنه في جميع الحالات غير أخلاقي.

ويعتقد هابرماس أنَّ هذه هي الطريقة التي يولد بها إغراء انتهاك مبدأ المساواة الصارمة في المعاملة دون النظر إلى الوضع الاجتماعي أو الأصل أو العمر، وما إلى ذلك، والإغراء لصالح الأصغر عمرا في مُقابل كبار السن. وحتى لو وافق المسنون على ذلك، فما الذي يستطيع الطبيب تحمله "لمقارنة" قيمة "حياة الإنسان" بـ"قيمة" الآخر، وبالتالي يثبت نفسه- كجسد- له الحق في تقرير حياة أو موت أحدهم؟

ويورجن هابرماس علامة فارقة في الحياة الفلسفية الألمانية المُعاصرة، لأنه رائد الخطاب النقدي، الفلسفي منه والسياسي على حدٍ سواء، كما إنه الصوت الأكثر حضوراً وتأثيراً على الحياة الثقافية الألمانية منذ أكثر منذ 50 عامًا.

تعليق عبر الفيس بوك