مهارة التصور الذهني

 

د. عبدالحميد الكيتاني

 

 

كان الكتاب الذي تلقاه مايكل فيلبس (أحد أعظم لاعبي السباحة) من مدرب السباحة يتحدث عن التركيز فطالما اشتكى المدرسون من قلة تركيزه في المدرسة! هذا الكتاب غير مجرى حياته للأبد، فالتركيز البالغ الذي كان يتمتع به فليبس منذ صغره طور فيه واحدا من أهم المهارات النفسية، كما أني أتذكر جيداً يوم أن أحرز كارل لويس الميدالية الذهبية في الوثب الطويل، يومها قال للصحفيين: "أود أولاً أن أشكر الأخصائي النفساني الذي جعلني أقفز فعلاً قبل الشروع بدنيا في عمل ذلك". كنت يومها مثل الكثيرين أتساءل: عن أي شيء يتكلم عنه كارل لويس؟ أقدم لكم مهارة التصور الخيالي (الذهني)، المهارة الأكثر شيوعًا والأكثر نجاحًا في مجال المهارات النفسية الرياضية. ولكن ماذا نقصد بالتصور الخيالي أو الذهني؟

هو أن تتصور ذهنياً أداء مهارة رياضية كاملة بدون إرسال إشارات حسية للعضلات التي تقوم بتنفيذ الأداء الحركي، فتؤدي الحركة الرياضية (طريقة القفز أو الرمي) من بدايتها لنهايتها بعيداً عن الأداء الحركي. وتهدف هذه المهارة إلى تحسين قدرة المتعلم على التحكم في الأداء، والسلوك والمشاعر، والمهارات العقلية! ولتعزيز هذه المهارة فبإمكان الشخص الاستعانة بالأفلام أو قراءة شرح أو مشاهدة نموذج لاعب محترف (تصور غير مباشر)، أو بالتصور المباشر عن طريق الانتباه ومحاولة استرجاع تجارب سابقة ناجحة، كل هذا يُعزز حدوث التغذية الراجعة الحسية عند محاولة تأدية الحركة ظاهرياً في المرات التالية!   

 علينا أن ننوه هنا بأنَّه لا توجد طريقة واحدة لمُمارسة هذا النوع من المهارة، فللاعب أن يتخيل ويتصور بالطريقة التي يراها مُناسبة له، شرط أن يكون هذا التصور واضحًا ودقيقاً أثناء ممارسته. ويمكن للاعب أيضًا أن يُؤدي هذه المهارة في الملعب أو خارجه. عن مهارة التصور الذهني أذكر هنا ما قاله اللاعب الفذ في عالم التنس روجير فيدرر في إحدى مقابلاته، يقول فيدرر " عندما أتقن في مهارة ما يكون قد سبقه عدة جلسات أتصور في خيالي كيف أؤدي تلك اللعبة أو المهارة". لقد بينت الدراسات العلمية أن التصور الخيالي الرياضي يعمل على تحسين المستوى الرياضي، وتجنب الإصابات لأنَّ هذا النوع من التصور الذهني يتسم بالدقة الشديدة ويدعم المسار العصبي الذي يساعد في تصحيح الأداء الحركي. وثبت كذلك أن التصور يولد مسارات عصبية شبيهة بتلك التي تتولد أثناء الأداء الحركي أو الجسماني.

إن بعض المهارات النفسية/ السيكولوجية تكون شبه موجودة عند بعض اللاعبين، لكن ذلك ليس كافيًا. لابد من وجود أخصائي نفسي رياضي يتسم بصفات الصبر، الإنصات، ومهارات المخاطبة كي يصقل وينمي تلك المواهب.  فمهارة التصور الخيالي مثلاً تحتاج إلى متخصص جيد الإنصات حتى يعطي الفرصة للاعب في وصف خياله والتعمق فيه من دون مقاطعة، وبالتالي تثبت هذه المهارة بشكل أكبر عند اللاعب كون أنه أعطي الفرصة الكاملة في ممارسته من قبل الأخصائي. ويجب على الأخصائي أن يُدرك أهمية عدم تغيير ذلك الوصف الخيالي الذي رسمه اللاعب بخيال آخر قد يراه الأخصائي أكثر فعالية. بمعنى آخر عليه أن يعزز قدرات اللاعب وإمكانياته الحركية في تحديد مسار الخيال الذهني الذي يراه مناسبا له!!

إن اللاعب وفي ممارسته لهذه المهارة لا يستحضر الجانب المرئي فقط، بل كل حواسه الخمسة، فأثناء دخوله إلى إستاد كرة القدم مثلا فإن ريحة الأرضية العشبية قد تم إدراكها بحاسة شمه، وبأصوات الجمهور وتشجيعهم يكون قد استعان بحاسة سمعه، وحاسة التذوق لديه مشغولة بطلب التوفيق من الله وترديد كلمات الحوار الذاتي المحفز، وبحاسة لمسه يستطيع تصور خطواته وهي تتجاوز خصومه بكل ثقة!! فمع ادخال تفاصيل أكثر دقة في هذا المشهد يستطيع هذا اللاعب أن يستعين بكل الأحداث الإيجابية التي تمت تصورها ليحاول ترجمتها إلى واقع ظاهري في أرضية الملعب!!

سنكمل في المرة القادمة طريقة أداء التصور الذهني وأنماطه!!

تعليق عبر الفيس بوك