هل سنعتمد على أنفسنا؟

 

د. خالد بن علي الخوالدي

Khalid133@hotmail.com

قبل جائحة كورونا وقبل أن تغلق الحدود مع الدولة الجارة كانت هناك عقليات وأفكار وكلام كثير ويطول عن عدم قدرتنا على العيش والصبر والتحمل عن غزو أسواق تلك الدولة، والمصيبة الكبرى إذا كانت هذه النظرة تنطلق من المسؤولين الكبار في الدولة، فمع إغلاق الحدود قبل فترة على المُنتجات العُمانية من خضروات وفواكه، قام المستوردون والتجار باستيراد المنتجات مُباشرة من دول المصدر دون الاعتماد على سوق (دبي) ومضت الأمور على ذلك عدة أشهر إلا أنَّ هذا توقف بقدرة قادر وعادت حليمة لعادتها القديمة.

واليوم مع جائحة كورونا نمنا وصحونا على خبر إغلاق الحدود مع الدولة الجارة وهذه المرة الإغلاق بالكامل وظنَّ من ظنَّ بأننا سنموت جوعًا ولن نجد ما نقتات به لأن اعتمادنا كان على نفس السوق من حيث الاستيراد، وأن الاقتصاد العُماني سينهار وأن التجار سيبيعون (نخي) في الطرقات والشوارع ولكن يظل العُماني رافعاً الرأس صابرا وذكيا ومقداما في كل زمان ومكان، وعادت له الروح وقام باستيراد البضائع والسلع من دول المصدر مرة أخرى ونشطت الموانئ معنا وسجلت إيرادات مُمتازة وكان لنا تواصل مع موانئ عديدة كان يقال لنا سابقاً بأنَّه لا يُمكن التَّواصل معها ولابد من (دبي) لأنها مسيطرة على خطوط النقل البحري، كما اعتمدنا على أنفسنا في الزراعة والتصنيع والابتكار والتسويق، وكان يروج ويُشاع أنَّ سلعنا سوف يحصل لها كساد والسمك (بيخيس) وما شفنا أن هذا حصل بل إنَّ السمك وفي ظل إغلاق الأسواق حصل على مروجين جدد عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتوفر للمواطن والمُقيم وبأسعار مناسبة بدلاً عن أن يتم تصديره للدولة المجاورة لتقوم بتصديره كالعديد من المنتجات العُمانية على أساس أنه منتج (إماراتي) وبالتالي ترتفع عندهم الإيرادات والنشاط التجاري بينما نحن نظل دولة مستوردة فقط.

استفيقوا يا قوم واعتمدوا على أنفسكم ولا تخلقوا الأعذار ولا تفتحوا الأبواب مرة أخرى لمن تسول له نفسه أن يجعل الأمة العُمانية العظيمة تحت رحمة أيٍّ كان، فنحن أحفاد أحمد بن ماجد أسد البحار وسعيد بن سلطان الذي امتدت الإمبراطورية العُمانية في عهده من بندر عباس على ضفاف الخليج العربي إلى ميناء زنجبار على الساحل الشرقي لإفريقيا، إضافة إلى بعض الجزر الواقعة في منطقة الخليج وبحر العرب والمحيط الهندي بما فيها أرخبيل جزر القمر وفي عهده ازدهرت الحياة الاقتصادية، وتعايشت الأجناس من عرب وأفارقة وآسيويين وغيرهم تعايشاً حسناً، وقد كان مفهوم الاقتصاد في عهد السيد سعيد بن سلطان يعتمد على تنمية حرية التجارة مع مُختلف الشعوب دون تمييز، حيث بنى أسطولا تجاريا ضخما تسانده قوة بحرية فتية، توطيداً للعلاقات التجارية المتميزة مع كل من الصين وشرق آسيا والهند وسيلان وإيران وغيرها من الدول، ونحن أبناء سيف بن سلطان قيد الأرض وناصر بن مرشد وأحمد بن سعيد والسلطان قابوس بن سعيد.

استفيقوا يا قوم واتركوا عنكم الخذلان والتبعية والخنوع والهوان، شمروا عن سواعدكم وأحسنوا إدارة وطنكم، فعُمان تملك طاقات شبابية مُتميزة وواعدة إذا ما منحت الثقة، وحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق- حفظه الله ورعاه- يعمل على مواصلة المسيرة التي خطها المرحوم جلالة السُّلطان قابوس بن سعيد-طيب الله ثراه- حيث يعمل على جعل عُمان قوية ومُتماسكة مؤمناً بأنَّ هذا الوطن به الخير وبأبنائه الأمل وأنَّ الرجاء في رجالات عُمان لن يخيب، وها هي النتائج تُبشر بخير لهذا الوطن حيث كشفت بيانات المالية العامة للدولة عن تحقيق فائض بميزانية السلطنة من بداية العام الجاري وحتى نهاية أبريل رغم جائحة كورونا وانخفاض أسعار النفط، وبقيمة بلغت 134.2 مليون ريال عُماني، فهل وضعنا الطبيعي في أن نكون تابعين ونحن أسياد البحر والتجارة منذ آلاف السنين أم نكون أسيادا وشامخين ورافعين الرأس كما عاش أجدادنا.

غداً سوف تفتح الحدود فهل سنعود كما كنَّا أم الوضع سيتغير هل سنعتمد على أنفسنا أم كنَّا نعيش في الأحلام، هل سوف نخضع ونركع مرة أخرى ونتمسك بأعذار ما أنزل الله بها من سلطان أم سننطلق إلى التميز والعلو والرفعة، الأيام القادمة تحكم وأملنا كبير، ودمتم ودامت عُمان بخير.