الاقتصاد المؤسسي.. إطار محفز لرؤية "عُمان 2040"

مسلم مسن **

الاقتصاد المُؤسسي ببساطة مُتناهية يُعنَى بدور المؤسسات في النشاط الاقتصادي للوصول إلى أفضل مُعدلات الكفاءة والنمو الاقتصادي والتنمية المُستدامة، ولن يتأتَّى ذلك إلاَّ من خلال الإيمان التام بدور المؤسسات سواء الرسمية أو غير الرسمية أو ذات التخصصات الاقتصادية والمالية والاجتماعية في رسم السياسات الفاعلة على أسس من الترابط المؤسسي والتكامل في الأدوار والقضاء على مُختلف أوجه الازدواجية وتكرار الوظائف والتضاد في المهام والواجبات ومُمارسة الصلاحيات.

واهتمت رؤية عُمان 2040 من خلال مكونات وثيقتها الأولية بهذا الجانب، يتبلور هذا الاهتمام بشكل واضح وجلي في المحاور الرئيسية للرؤية والألويات الوطنية بتوجهاتها الإستراتيجية ومؤشراتها (KPIs) الموضوعة لقياس أداء وتنفيذ الرؤية، فقد لامست بعض الأولويات الوطنية التي رسمتها الوثيقة الأولية للرؤية عُمان 2040 مفهوم "الاقتصاد المؤسسي" كأحد المرتكزات التي ستقوم عليها تلك الرؤية حتمًا عبر مراحل تطبيقها المتنوعة، فمن الواضح أنَّ الأولوية الخاصة بـ"القيادة والإدارة الاقتصادية"، قد استوعبت دور الاقتصاد المؤسسي، ويأتي "التوجه الاستراتيجي" الداعم لتلك الأولوية– بالرجوع إلى وثيقة الرؤية- ليُؤكد أهمية توافر "إطار مؤسسي متكامل" للإدارة الاقتصادية تعمل وفقه، وهذا بلا أدنى شك يعتبر ترجمة حقيقية للدور المنتظر للاقتصاد المؤسسي في تحفيز التنمية والنمو وسيكون هو الإطار الفاعل والضامن للتحولات الاقتصادية على المديين المتوسط والبعيد الذي- بطبيعة الحال- من المأمول أن تسعى الرؤية 2040 لإنجازه.

في نفس الإطار، حدَّدت وثيقة الرؤية الأوَّلية عُمان 2040 أولوية وطنية أخرى وهي "حوكمة الجهاز الإداري للدولة والموارد والمشاريع"، تتقاطع تلك الأولوية مع مفهوم الاقتصاد المؤسسي في عدِّة جوانب من أهمها: ضمان تحقيق أداء مؤسسي مستدام يُؤسس لشراكات متوازنة ومتكاملة وشفافة بين جميع أطراف العلاقة من القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني والأفراد، وهذا جانب مهم لابد من أخذه بعين الاعتبار ولا يُمكن التقليل من انعكاساته لأنَّ الأداء المؤسسي واستدامته هو الفيصل لنجاح أية عمليات تخطيط طويلة الأمد وتصويب مساراتها المُستقبلية.

وقد وضعت الوثيقة الأولية للرؤية مؤشرات أداء لقياس مُختلف جوانبها التخطيطية، وللشق المؤسسي نصيب لا بأس به من تلك المُؤشرات إيمانًا بدور الاقتصاد المؤسسي في عمليات التخطيط والتنمية واستناداً على "الأداء المؤسسي" في رسم الاتجاه المتوقع لتحقيق أهداف الرؤية لأنه في حقيقة الأمر يُعتبر الأداة المعوَّل عليها ولمؤشراته الدور الأبرز في القيادة والتطبيق نحو الغايات الرئيسية للرؤية، فمؤشرات تقارير التنافسية العالمية الكلية والفرعية تستطيع أن تعطي بعض الدلالات عن دور المؤسسات من خلال مؤشر "المؤسسات" الكلي الذي تندرج تحته مؤشرات فرعية تتعلق بالأمن والاستقرار وتطبيق القانون وحرية التملك والتصرف والحوكمة والرقابة على المُوازنة ومستقبل مرونة المؤسسات في تحقيق استقرار السياسات العامة وسرعة الاستجابة للتغيير وغيرها من المؤشرات الفرعية. كما أن تقارير الحوكمة العالمية ذات ارتباط وثيق بدور المؤسسات وذلك من خلال قياس جودة التنظيمRegulatory Quality)) ونفاذ القانون وكفاءة المؤسسات الحكومية، إضافة إلى العديد من المُؤشرات المرتبطة بمختلف محاور وأولويات وأهداف الرؤية والتي لها علاقة بقياس دور المؤسسات التي تعتبر المحرك في الخطط متوسطة وطويلة المدى مثل رؤية عُمان 2040.

على ضوء ما تقدم، من الواضح أنَّ وثيقة الرؤية الأولية عُمان 2040 لم تغفل مفهوم "الاقتصاد المؤسسي" سواء عبر محاورها الرئيسية وأولوياتها وتوجهاتها ومؤشراتها الموضوعة ولا من حيث العلاقات الترابطية لمكوناتها بخطة وأهداف التنمية المستدامة 2030 (الأهداف الكونية للتنمية المستدامة)، وفي اعتقادي تلافت الرؤية من خلال وثيقتها الأولوية مفهوم "الاقتصاد المؤسسي" وتمَّ تضمينه كأحد الأسس للانطلاقة وكإطار مُحفز للرؤية، ولكن تبقى تفاصيل التنفيذ وآلياته ومجرياته واتجاهاته هي الفارق خلال المرحلة المُقبلة.

** خبير اقتصادي