"من التنمية إلى الريادة".. رصد للدور المتنامي لبكين على الساحة الدولية

"الصين في الاقتصاد السياسي العالمي".. إبراز لنموذج النمو القائم على الابتكار

ترجمة - رنا عبدالحكيم

يَصطحبُ البروفيسور الصيني جوردون سي كيه تشيونج، قرَّاءه، في جولة تحليليَّة موسعة لتطور الاقتصادي الصيني من الاتجاه التنموي إلى المسار الريادي؛ وذلك في كتابه الأخير بعنوان "الصين في الاقتصاد السياسي العالمي".

البروفيسور جوردون سي كيه تشيونج.jpg
 

والبروفيسور جوردون سي كيه تشيونج أستاذ بالجامعة الصينية في هونج كونج، والأستاذ المشارك بقسم العلاقات الدولية للصين في كلية الشؤون الدولية والحكومية. ويناقش كتاب تشيونج النهوض الاقتصادي للصين، ويؤكد أنَّ وجودها الاقتصادي العالمي يتأثر بشكل متزايد بدفع سياستها من أجل نموذج نامٍ قائم على الابتكار. وشهد مطلع العام 2010 الكشفَ عن إستراتيجية الصين الكبرى نحو العولمة، وهي مبادرة الحزام والطريق (BRI)، والتي تزامنت مع تبني الولايات المتحدة لسياسة "أمريكا أولاً"، والتي فسَّرها الكثير على أنها مؤشر على تراجع واشنطن عن المشهد الدولي. ويأتي كتاب تشيونج في وقت يترقب فيه العديد من العلماء وصانعي السياسة ما إذا كانت الولايات المتحدة تتنازل بالفعل عن سلطتها الاقتصادية لصالح الصين.

وفي حين أن فكرة الصين كقوة اقتصادية ناشئة ليست جديدة، إلا أنَّ التأثير العالمي للصين يُنسب منذ فترة طويلة إلى دورها كمصنِّع عالمي. ومنذ أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لا سيما بعد أولمبياد بكين ومعرض شنجهاي العالمي؛ حيث تمَّ نقل الصناعات منخفضة التقنية كثيفة العمالة إلى الدول المجاورة التي تقدم تكلفة عمل أقل بكثير، أعطت الصين أولوية لنموذج النمو القائم على الابتكار، والذي يتميَّز بروح المبادرة. ومرَّ عقد من الزمان منذ تحول السياسة الاقتصادية للصين، ويدرك تشيونج الحاجة الملحة لإعادة تقييم موقف الصين في النظام الدولي.

وكتاب تشيونج مُنظَّم في أفكاره ورؤاه بشكل جيد، ويتألف من جزءين؛ الفصول الثلاثة الأولى تناقش عوامل التأثير الاقتصادي الناشئ للصين على الاقتصاد السياسي العالمي، بينما يقدم الجزء الثاني 3 دراسات حالة لفحص انخراط الصين في الاقتصاد العالمي عبر 3 مجالات من أجل المصلحة الوطنية. ومع الكثير من المعلومات من عمله الميداني وكذلك استخدام المصادر الثانوية، يقدم تشيونج مساهمات تجريبية مهمة لفهم دور الصين في الاقتصاد السياسي العالمي.

وفي الفصول الثلاثة الأولى، يشير تشيونج إلى 3 عمليات جيوسياسية تقف وراء النفوذ العالمي المتنامي للصين. ويتعلق الفصل الأول بتراجع التأثير الاقتصادي للولايات المتحدة؛ حيث يذكر تشيونج القراء بأن النمو الاقتصادي الاستثنائي في شرق آسيا في فترة ما بعد الحرب مرتبط ارتباطًا وثيقًا بإستراتيجية الاحتواء الأمريكية. ويشير في هذا السياق إلى عدم قدرة الولايات المتحدة على الحفاظ على الرخاء الإقليمي في أعقاب الأزمة المالية عام 1997، ويؤكد تشيونج أنَّ القدرة الاقتصادية المتنامية للصين "تُرجمت تدريجيًّا إلى تطلعات إقليمية، بل وعالمية، لبعض التغييرات الأساسية للقيادة الاقتصادية العالمية نحو نموذج بديل".

ويركِّز الفصل الثاني على قضية القوة الناعمة. فعلى الرغم من أن تشيونج يحدد القيم الاقتصادية المشتركة للكونفوشيوسية كمصدر رئيسي لقوة الصين الناعمة، إلا أنه يعترف بأن "الشعور بالنمو والتنمية الاقتصادية أقل تواجدًا في الروح الأصلية لكونفوشيوس". ويبرز تشيونج جهود الصين المتعمدة لبناء القوة الناعمة. وفي هذا الصدد، يقدم وثائق لسلسلة من حملات التأثير العالمي التي سعت إلى إعادة تفسير تاريخ شرق آسيا، واختراق الخطاب الأكاديمي، والتأثير الدولي.

ويوضِّح الفصل الثالث العوامل الاقتصادية وراء صعود الصين، وهي رحلة الصين لتحويل اقتصادها من تنموي إلى ريادي. ويقول تشيونج إن "الصين تعمل على استخدام الإبداع والابتكار من أجل نمط جديد من التنمية الاقتصادية"، ويتجسد ذلك من خلال 3 حالات مفصلة: دفع الابتكار الصيني في حالة "شنتشن" كمدينة للابتكار، وازدهار قطاع التجارة الإلكترونية الصيني كرمز لريادة الأعمال الشعبية في الصين، ومحاولة تعزيز رأس المال البشري، وهو ما أظهره مجمع سوتشو الصناعي والشراكات الدولية للصين في برامج التعليم العالي. وتوضح هذه الحالات عدة زوايا لإستراتيجية الصين القائمة على الابتكار وتناسبها جيدًا مع تحليل تشيونج للتحول الاقتصادي الصيني.

وفي الجزء الثاني من الكتاب، يحلِّل تشيونج 3 مسائل محددة نتجت عن انخراط الصين اقتصاديا في المجتمع الدولي. وهذه الأمثلة المختارة ذات أهمية كبيرة للتنمية الاقتصادية المستقبلية للصين، علاوة على الجغرافيا السياسية لها على خارطة الاقتصاد السياسي العالمي. المسألة الأولى: قضية حقوق الملكية الفكرية؛ حيث يحقق تشيونج في حماية الصين المتزايدة للابتكار من خلال التطرق إلى قضايا التزييف والانتهاك، ونزاعات حقوق الملكية الفكرية، وجهود المراقبة بين الصين والولايات المتحدة، وحماية حقوق الملكية الفكرية على المستويين الوطني والإقليمي. المسألة الثانية: تتعلق بمحاولة الصين المطالبة بالقيادة المالية العالمية، وهو ما يوضحه تشيونج مع تطور شنجهاي كقطاع مالي بعد الأزمة المالية العالمية 2008-2009، إلى جانب مناقشة تدويل الرنمينبي (اليوان الصيني).

ويناقش تشيونج الاستثمار الأجنبي الخارجي للصين، ويفحص صناديق الثروة السيادية الصينية (SWFs)، وBRI، والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية (AIIB)، ويقدم في هذا الكتاب التفسير المبتكر القائل إن حماس الصين لمشاريع تطوير البنية التحتية الخارجية يمكن أن يساعد في تضييق فجوة المساواة عالميا. وحول هذه النقطة، يعارض الكاتب الرأي الشائع بأن الاستثمارات الصيني يمكن أن تدفع البلدان النامية نحو "فخ الديون".

ويُسهم كتاب تشيونج في فهم دور الصين المتطور في الاقتصاد السياسي العالمي الجديد بشكل أفضل. وسيثبت هذا الكتاب مدى فائدته لكل من المتخصصين الصينيين، أو أصحاب المعارف المحدودة نسبيًا حول الاقتصاد الصيني وتأثيره العالمي.

تعليق عبر الفيس بوك