الأم.. موسوعة الإنسانية

جيهان رافع

أمِّي كم غفرتِ لي؟ وكم تركتِ لنفسي غباءَ التدقيق بأخطائك؟

الأم موسوعة الإنسانيَّة التي حارَ بعنونتها العلم والإنسان. القصص كثيرة، والأمومة الصادقة واحدة من حالات تميزت بالكرّ والفرّ، كما الحروب عبر التاريخ، وكانت وما زالت هي بطلتها دون مُنافس.. إنها المناضِلة والمحارِبة الوحيدة التي لا تتقبّل الهزيمة أمام شعور أمومتها، حتى وإن أردنا أن نوسّع حلقة نقاشنا أكثر نشهد أن الأم عند الحيوان أيضًا هي المدافع الأول عن أطفالها.

انطلاقًا من أعماق الإنسانية، دعونا نتحدث بشكل قصصي عن الأم وعمَّا عانته منذ القِدم، عندما يكبر الابن ويصبح منتجًا للمال يشعر بالأمان من أعماله الخيّرة أو من صحوة ضميره أو من تقرّبه إلى الله أكثر...إلخ، والأم تستمد الشعور بالأمان من أمان أبنائها، لكنَّ السؤال الذي يطرح نفسه دائمًا: لماذا بعض الأبناء لا يكترثون لما تريده الأم منهم، ولا يأخذون إلَّا بما تقوله فقط عندما تثور غاضبةً؟ هل نحن أمام معضلة إنسانيَّة فكرية تتخلى عن جهد التفكير الإيجابي وبعض التحليل النفسي لهذه الموسوعة التي اتسعت بكل تفاني لكل أخطائنا، واتسع الفضاء لضحكاتها حين نجاح لنا، ونسيت تعبًا جسديًّا حين سمعت صرخة الحياة في طفلها؟

ومن الضفة الأخرى، نرى نورَ البعض الآخر الذين يشعرون أنّ أمهاتهم على قيد الحياة أبد الدهر ليتظللوا بفيء حنانهنّ لآخر نفس من أنفاسهم، ويطبقون حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "من أحقّ الناس بحسنِ صحابتي؟ فقال له الرسول (ص): أمّك، قال: ثمّ من؟ قال: أمّك، قال: ثمّ من؟ قال أبوك".

ولا بدّ من دورٍ للأدب والثقافة في استنهاض الإنسانيّة من قلوب غفت أثناء مرورها بها.

------------------------

رسالةٌ إلى أمي: ظلالي الباردة ما عادتْ تحملنُي على كتفها العوجاء والدموع المتآكلة.. ضائعة بين الوجوه المغرورقة بالقهر، ضائعة أنا يا أمّي، لا تنتظريني أمام باب الرِّيح المشدودة نحوي، فلقد التصقت أجفاني بأجنحتي المغلقة بغبار الخيبات، حلمت بالحزن يضحك لي، وأنا أقبّل يدك وأستميحك العذر عن سنينٍ تركتِها خلفك حين دفعتني  إلى الأمام يا أمي، عن غيابٍ كان ينتظر دعاءك في كل ضيّقٍ فقط يا أمي، عن الألم الذي سببته ركلاتي لجدار رحمك حين طلبت الحياة فتألمتِ، أستميحك العذر يا شاهدةً على ضعفي وكم غضضتِ الطرف وحجبتِ البوح حتى عن نفسك من أجل قوّتي، وأنا أعلم جيدًا أنك غفرتِ لي صمتي قبل كلامي، أنظر إلى سبَّابتي التي كنتِ تقولين عنها إنها الشاهد عليَّ يوم الحساب لأتجنب القدر الكافي من الذنوب أمامها، فنسيت أن أبترها حين تجاهلتك وتركت الحنين يأكل قلبك وتركتك وحيدة بين جدران الوحدة والذكريات حين تجاهلت أنَّ نجاحي منك وبك، وأنَّني أرتفع لأنك جناحي، ونسيت أن كل سقوط يعني أنني انتزعت ريشة منهما بإهمالي.. فأين المفر الآن من شاهدي؟ ومن شاهدة قبرك يا أمي؟