الاهتمام الكلي لا الجزئي بالتعليم

 

د. علي زين العابدين الحسيني **

** باحث بالأزهر الشريف

تتباين الرؤى وتتعدد الوسائل وتختلف مسالك التعليم إلا أنَّ القائمين عليه لا يختلفون في أنَّ الاهتمام به أصبح حاجة مُلحة، حيث يقررون أنّه مصدر من أهم مصادر النهوض، وركيزة أساسية لبناء التقدم، فلا تسمو العقول، وتزدهر الدول إلا بالتعليم، وهو عمليةٌ حضاريةٌ تبدأ ثم تنمو على مرّ الأيام، وتكتمل وفق طرق التَّطور.

من المسالك المعهودة في التعليم إيقافُ الطلاب على جميع الجزئيات في المواد الدراسية، وإلمامُ الطلاب بجميع مُفردات المناهج بحيث لا يغيب عنهم منها إلا الأشياء النادرة مع التركيز في الاختبارات على الأسئلة المُباشرة أو طريقة الاختبار المعهودة دون تطويرها، والاعتماد فيها على الحفظ لا الفهم والاستنباط.

لا عجبَ حينئذٍ في عرفنا التعليمي أن يُعرف الطالب المتفوق بأنّه القادر على حل الأسئلة بإجابات مطابقة لما هو موجودٌ في الكتاب لا يزيد ولا ينقص عنها حرفاً، وقد يحاول بعض الطلاب الإجابة عن الأسئلة بأسلوبهم وفهمهم للمعنى، فالمعنى في الكتاب لكن بألفاظ من عندهم، وبالتالي لم يغيروا المعنى وإنما تغيرت الألفاظ لا غير، لكن يعتبر البعض هذه الإجابات خاطئة، وأحسن أحوالها لا تأخذ درجة كاملة.

هذه الطرق القديمة في التعليم وفي كتابة أسئلة الاختبار أثبت الواقع أنَّه يلزم تطويرها، فهي تخرج لنا طلاباً متعلمين لا مُبدعين في مادتهم الدراسية، معتمدة أكثر على الحفظ دون إعمالٍ للفكر والنظر، أو محاولة فهم ما وراء هذه العبارات والدروس، على أننا لا ننكر فضل التلقين والحفظ في التعليم لكنها مرحلة من مراحله، ولا يُمكن أن يكون الاعتماد الكلي عليها.

يأتي على الطلاب مراحل من أعمارهم الأولى بالمعلمين في طرق تعليمهم إيقافهم على القواعد العامة ودراسة أمهات المسائل في كلّ المواد الدراسية، وإعطاء هؤلاء الطلاب فرصة الاجتهاد في تحصيل الفروع والمسائل الجزئية؛ لأنَّ تلقين المتعلم كل جزئيات المادة تذهب معه الأعمار ويضر بالفهم والعقل، فلا يحسن المتعلم فيما بعد التصرف في مسائل مشابهة لهذه المسائل.

ولهذا ينبغي على المعلمين إيقاظُ العقول بالقواعد العامة في المادة المدروسة ثم توجيهها إلى النظر، فتدرك بنفسها بعض المسائل وتعددها، وهو أولى من التدريس لكلّ جزئية في المادة؛ لأننا بهذه الطريقة نخرج أناساً يعرفون مسائل مدروسة مُحددة، وإذا ما وُجدت مسائل غير مدروسة أو موجودة في الكتاب فلن يستطيع الطلاب الإجابة عنها، أو التصرف معها.

إنّ معرفة أصول المسائل في العلوم أهم من الاعتناء بجزئياتها ومسائلها؛ لأنّ هذه الأصول والقواعد العامة محصورة بينما جزئيات المسائل غير مُحددة، ومهما أوتي الطالب من قوة حفظ فلن يستطيع أحدٌ الإحاطة بالجزئيات، لكن إذا أحاط الطالب بالقواعد العامة وغابت عنه بعض الجزئيات فإنّه على أقلّ أحواله يستطيع استخراج الإجابة عن طريق التفكير في القاعدة العامة وتطبيقها.

تعليق عبر الفيس بوك