أنتَ مسؤول!

سعود البوسعيدي *

* طبيب امتياز

تتغير الحياة في عالم اليوم بشكل سريع ومضطرد في كافة الاتجاهات والزوايا، وتتضاعف التزامات الفرد تجاه الأشياء من حوله كمًّا ونوعًا. وبالداعي نفسِه تتداخل عليه نتائج الثورة المعلوماتية الهائلة، فيحار بين المسلّمات والمتغيرات.

وفي تناسب طردي مع كل ذلك، يكون للمسؤولية الذاتية الدور المحوري والمهم في رسم معالم حياتنا الواقعية، والافتراضية منها على وجه الخصوص، باللون الذي نختاره، وبالتشكيل الذي نتفق عليه، وبالقالب الذي نصمِّمه ونؤمن به.

إنَّ المسؤولية الذاتية كمفهوم قائمة على الالتزام، أي القيمة العليا، لا يُمكن أن تتوافر بلا وعي معرفي وإدراك عميق من الفرد نفسه بأهميته في صنع الفارق والتغيير. ولا يمكن أن تتحقق إطلاقا حتى ينعكس هذا الوعي والإدارك جليا على الممارسات والتطبيقات، وبذات المعنى حتى تترسخ كثقافة وسلوك.

لقد كان إطار مسؤولية الفرد محدودا في السابق بحكم قيود التواصل وقلة الوسائل المتاحة، ولكن مع انفتاح العالم توسعت مسؤولية الفرد، فأصبح يُسهم في رسم اللون للإطار التفاعلي بين بني البشر، ويحدد بذوقه المحتوى الرائج على وسائل التواصل الإجتماعي، وبلايك أو إعادة تغريد أو متابعة يُسهم في وصول الفاعلين والمؤثرين.

ثمَّة مصادر قدمتها تكنولوجيا اليوم جعلت المسؤولية الفردية تتطلب وعيًا مضاعفًا وذكاء أكبر، بالإنسان والأفكار والأشياء. وخلقت تحدِّيا جديدًا يَكمُن في التركيز على تفاصيل الأشياء الصغيرة كبناءات بسيطة، لها ما بعد، في زمن مزدحم بالتغيرات والتبدلات.

ولا شك أنَّ التفوق الجماعي الذي ننشده جميعا في شتى المجالات، لا يمكن تحقيقه والوصول إليه إذا لم يتحلَّ كل فرد منا بحس مسؤولية عالٍ، يستند لتعليم يكرس القيم والمبادئ، وتربية سليمة تنشئ أطفالا مسؤولين يعتبرون الوطن والمجتمع جزءا لا يتجزأ منهم ومن نجاحهم، وبثقافة عالية تقف وروح القانون تحصينات فاعلة وتنبيهات مستمرة للإنسان المدرك، الذي يدرك مسؤوليته فيتدارك نفسه.

في الشخص المسؤول تتجلى أرقى القيم والمبادئ الإنسانية، إنَّه يتضامن بإنسانيته مع إنسانية الآخرين، ويعيش مع وطنه ذات الهم والمخاوف والأزمات. وعند كل تفاعل أو خلاف تظل القيم العالية هي محددات المرحلة ونقاط الرجوع وبوابات الحلول.

ومثل بناء الأسر يكون بناء الأوطان، بمسؤولية الكلمة ومحاربة الشائعات، بالصورة الصادقة ومحاربة الأوهام. وليس في كل ذلك دعوة لتقييد الكلمة والأفعال، وإنما رسالة صادقة لبناء مجتمع خال من الأنانية، نبنيه جميعا بذات المخاوف ونحافظ عليه بقدر الطموح.

تعليق عبر الفيس بوك