"إيكونومست": العالم يفتقر لقيادة عالمية حقيقية في عصر "التخاذل الأمريكي"

ترجمة - رنا عبدالحكيم

شنَّت مجلة ذي إيكومونست هجومًا قاسيًا على الولايات المتحدة، واعتبرت قيادتها للعالم لم تعد قائمة، في ظل التخبط الداخلي ورغبة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تدمير "كل شيء" من حوله.

وقالت المجلة -في تقرير لها- إن فيروس "كوفيد 19" مثَّل تحديا جديدا للعالم، وتسبب في خلق فراغ عالمي، بينما يبحث العالم عادة عن القيادة الأمريكية. لكن بدلاً من ذلك، يرى العالم أجمع الرئيس دونالد ترامب يخدع نفسه، فقد حرص ترامب على إلقاء اللوم على الصين في تفشي الوباء بدلا من حشد إجماع دولي لمواجهة الأزمة، وكانت أبرز خطواته تعليق التمويل الأمريكي لمنظمة الصحة العالمية والتهديد بالانسحاب منها. وفي مارس، لم يتمكن وزراء خارجية مجموعة السبع حتى من إصدار بيان مشترك، لأن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، أصر على الإشارة إلى  الفيروس بوصفه "فيروس ووهان".

وبدا أن النظام العالمي في حالة تذبذب حقيقية، فمنذ عقود الأعضاء الخمسة الدائمين الذين يملكون حق النقض "فيتو" في مجلس الأمن هم القوى المنتصرة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ودائما يقاومون إصلاح المنظومة العالمية. وتشعر القوى الكبرى بشكل متزايد بقوة مفرطة، فقد استولت روسيا بكل جرأة على أجزاء من أوكرانيا، واحتلت الصين الأراضي المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي.

ولطالما اشتكت الولايات المتحدة من تكلفة دعم نظام عالمي متعدد الأقطاب، وأبدت قلقها من "الانقلاب" على الوضع الراهن. وما يدل على ذلك أن الولايات المتحدة شاركت بريطانيا في غزو العراق عام 2003 دون تفويض من مجلس الأمن. ثم بدأ الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، في "بناء الدولة من الداخل" كأولوية وطنية له، مما بدا أنه شبه تراجع عن أعباء القيادة العالمية. والآن يبدو أن أمريكا -مهندس النظام العالمي- يقودها رئيس يبدو أنه سعيد بتدمير كل شيء من حوله.

فقد انسحب الرئيس دونالد ترامب من اتفاقية باريس للتغير المناخي، وأيضا الاتفاق النووي مع إيران، وشكك في التزام أمريكا تجاه حلف الناتو، وواصل جهوده لتقويض منظمة التجارة العالمية من خلال منع تعيين قضاة جدد في هيئة الاستئناف بالمنظمة، ووصف الاتحاد الأوروبي بـ"العدو". وتسببت نزعته نحو مزيد من العقوبات في تصاعد التوترات العالمية، مما أثار شكاوى من أن أمريكا تسيء استخدام "الامتياز الباهظ" لامتلاك عملة الاحتياطي العالمي، الأمر الذي عزز الاهتمام بين الحلفاء والمنافسين على حد سواء، من أجل الحد من هيمنة الدولار كعملة احتياط عالمية.

ويدعو تقرير المجلة إلى النظر إزاء تلك التحولات العميقة في السياسة الدولية، والتي تسببت في تقسيم العالم إلى مناطق نفوذ متنافسة، فمنذ عام 2000، زادت حصة الصين من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بأسعار السوق من أقل من 4% لتقفز إلى ما يقرب من 16%. وينشر عمالقة التكنولوجيا، مثل علي بابا وتنسنت وهواوي البنية التحتية الرقمية الصينية في أنحاء العالم، لاسيما في الأسواق الناشئة. والصين هي أكبر مصدِّر في العالم، وعلى الرغم من أن الصين منضمة حديثا إلى منظمة التجارة العالمية في ديسمبر 2001، إلا أنها الآن المدافع الرئيسي عن مصالح المنظمة، وتتعرض للهجوم من الولايات المتحدة.

وفي مجال التمويل، على الرغم من أن الدولار لا يزال العملة المهيمنة، لكن اليوان على وشك تحقيق المزيد من المكاسب العالمية. وفي صندوق النقد الدولي، لا تزال الصين ممثلة تمثيلا ناقصا، مع حصة تصويت لا تتعدى 6%. لكن في الوقت الذي يسعى فيه الصندوق لدعم اقتصاد عالمي متضرر، ستكون الصين أحد أهم منفذي تلك الجهود، سواء في تخفيف عبء الديون؛ حيث يُعتقد أن الصين أقرضت أكثر من 140 مليار دولار للحكومات الإفريقية والشركات المملوكة للدولة منذ عام 2000، أو في زيادة حصصها.

وتمتد هذه الاضطرابات إلى الأبعاد الدبلوماسية والأمنية، فقد تساءلت المجلة: هل الأمم المتحدة، والحوكمة العالمية التعاونية التي تجسدها المنظمة، محكوم عليها بأن تكون أقل أهمية في عالم تتنافس فيه القوى العظمى؟ فمن السابق لأوانه بالتأكيد التخلي عنها، لكن للحفاظ على نفوذه وشخصيته، يحتاج النظام الليبرالي إلى قيادة جديدة وإصلاحات صعبة.

فالنظام متعدد الأطراف يملك نقاطَ قوة مهمة؛ من أبرزها: الحاجة الماسة إليه؛ فالمشاكل الكبرى تستدعي التعاون الدولي، وهو ما أظهرته جائحة كورونا بقوة. كما يحتاج العالم للعمل المشترك لإنتاج لقاح، وتحفيز الانتعاش الاقتصادي ودعم البلدان الأكثر ضعفا. إلى جانب الحاجة إلى جهود متضافرة بشأن مكافحة التغير المناخي، وهو تحد آخر لا يمكن لأي دولة أن تواجهه بمفردها، كما إن خطر الانتشار النووي آخذ في الازدياد.

الميزة الثانية هي أن الأمم المتحدة تحظى بشعبية على الرغم من ارتكابها أخطاء مخزية، فعلى سبيل المثال أدى برنامج النفط مقابل الغذاء التابع للأمم المتحدة مع العراق إلى عمليات احتيال بقيمة 1.8 مليار دولار. ومع ذلك، فهي أكثر ثقة من العديد من الحكومات، وفقًا لمقياس الثقة Edelman Trust 2020. ففي استطلاع أجرته مؤسسة Pew العام الماضي، بمشاركة 32 دولة، فإن ​​61% عبروا عن رأي إيجابي تجاه الأمم المتحدة، مقابل 26% أبدوا وجهة نظر أخرى.

ويختتم التقرير بالقول إنَّ من السذاجة توقع اهتمام مفاجئ بنظام متعدد الأقطاب، سواء في حكم ترامب أو من يأتي بعده؛ إذ إن الشكوك الأمريكية في العلاقات مع الخارج قديمة قدم النظام الجمهوري فيها، فقد تصاعد الإحباط من منظمة التجارة العالمية والناتو وغيره، قبل أن يستغل ترامب ذلك. كما إن الانقسامات في الداخل التي تعمقت تحت رئاسته ضاعفت من مصاعب القيادة الأمريكية للعالم. ومع ذلك، فإن فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر سيكون على الأقل بمثابة إعادة تشكيل اللعبة إن لم يكن تغييرًا جذريًا في اللعبة برمتها.

تعليق عبر الفيس بوك