التقاعد الإجباري

 

 

عبدالمجيد الراشدي

طلب مني البعض أن أبدي رأيي في موضوع التقاعد الإجباري من ناحية قانونية، وقد تمَّ ذلك في أكثر من تغريدة بحسب اجتهادي ورؤيتي الشخصية، ولكن الرأي الحقيقي في الموضوع يأتي ممن صدر فيهم ومسهم التعميم بشكل مباشر، وهم الأولى أن يُصرِّحوا برأيهم إن كانوا يرونه مناسبا فليعلنوا ذلك ويباركوا التوجه لتشجيع الحكومة للمضي قدما، أو أنهم يعلنون رفضهم له إن كان يضرهم ويقدمون مقترحاتهم وتنظُر فيها الحكومة، واضعة في الاعتبار الأولوية للمصلحة العامة من خلال توازن المصالح.

والتوجيهات السامية محل تقدير، ولها جوانب إيجابية، وستخفِّف العبء على الموازنة العامة في الدولة، وستكون أحد الحلول لأزمة الباحثين عن عمل، وربما سوف تنعش السوق المحلي، على اعتبار أنَّ المحالين للتقاعد ستُصرف لهم مكافأة ونسبة منها بلا شك ستذهب للصرف فيه. ومن جانب آخر، فإن للقرار آثارًا جانبية سلبية ومشاكل اجتماعية ومالية؛ سواء على الوحدات الحكومية أو المتقاعدين جبرا أو على عائلتهم أو حتى على المجتمع، خاصة وأنَّ بعض الجهات زادت نسبة المحالين للتقاعد إلى أكثر من 70% وصولا إلى نسبة 100%، وهو تصرف وإن كان صحيح قانونا لكن له دلالاته السلبية، وكأن الوحدة الإدارية كانت تنتظر القرار على أحر من الجمر للتخلص من تلك الفئة وهم من بذلوا جهدهم وأعمارهم في الخدمة.

فإن كان لنا حق في إبداء الرأي لأننا في بلد القانون، فإنه من الأفضل إجراء التغيير في القانون وليس قرارات وقتية تصيب البعض فقط دون الآخر، ومن خلال الموازنة بين توجُّه الحكومة ومصلحة من أحيل للتقاعد، فإنني أقترح على الحكومة الموقرة -وهي الراعية للكل- أن تقدم ميزات إضافية للمحالين للتقاعد طبقا للتعميم، للتخفيف من الأضرار المحتملة عليهم كزيادة المعاش التقاعدي، وزيادة منحة نهاية الخدمة، أو على أقل تقدير زيادتها للفئات الدُّنيا ممن سيستحقون مكافأة بسيطة، أو تأجيل التطبيق لمدة عام ليتسنى للمحالين توفيق أوضاعهم، واعتبار هذه الفترة بمثابة فترة إنذار، أو التفرقة في التطبيق بين فئتين: الأولى ممن عملوا أكثر من 35 عاما؛ لأنهم على كل حال أقرب لسن التقاعد (غالبا) والفئة الأخرى ممن خدموا 30 عاما؛ كون هذا التقاعد تمَّ قسرا للموظفين المواطنين الذين لا تزال لديهم القدرة والرغبة في العمل، ولم يكونوا قد هيأوا أنفسهم للتقاعد في هذه السن.

كذلك إعادة النظر في الفئة الثانية الواردة في التقرير وهي ممن يشغلون وظائف (مستشار، خبير، مدير مختص)، فكلنا يعلم أن ظروف شغلهم لتلك الوظائف ليست في كل الأحوال نتيجة عيب فيهم، وإنما لظروف كثيرة متداخلة، للإدارة غالبا دور فيها، والنقل لهذه الوظائف كان على أساس لا ضرر ولا ضرار، وأنَّ تلك الوظائف معادلة لوظائف هيكلية مساوية لها في التصنيف.

واعتنقت محكمة القضاء الإداري هذا التوجه، وحكمت برفض الدعاوى على أساس أنَّ النقل تمَّ لوظيفة معادلة ولم يضر المنقول بنقله، ولكن بصدور التعميم يتضح جليا أنَّها أصبحت أقل منها؛ لأن المنقول إليها يحال للتقاعد قبل غيره، والمقتَرح لهذه الفئة هو ضمُّها لبقية الوظائف وعدم التفرقة بينها، وإن كان التعميم صدر وجارٍ تنفيذه ولا يمكن العدول عنه، فإنه من المناسب إذا كان الاتجاه لاستمرار تطبيق التعليمات السامية أو إجراء التعديل على قانون المعاشات أن تراعى هذه الفئة وتضم لبقية الوظائف دون تمييز بتوحيد مدة الخدمة المطلوبة للإحالة للتقاعد.

وختاما.. نرجُو من جميع الوحدات الحكومية أن تُحْسِن في وداع موظفيها بما يليق بهم وبسنوات خدمتهم التي أفنوها في خدمة الوطن، وقد نتَّفق وقد نختلف، لكن مصلحة الوطن دوما تبقى نصب أعيننا.

تعليق عبر الفيس بوك