لنعبر بسلام

 

نجاح بنت محمد الراشدية **

** الأمين العام المساعد للشؤون الإدارية والمالية بمجلس البحث العلمي

شهدنا في الآونة الأخيرة تهافت الكثير من المُحللين الاقتصاديين والخبراء الدوليين على وضع تفسيرات لما يحدث في هذه الفترة الحرجة من الجائحة الوبائية، وأصبح حديث الكبير والصغير وكافة وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي.

وما يلفت الانتباه هو اتفاق الجميع في تنبؤاتهم عن المستقبل على أنَّ نتائج الثورة الصناعية الرابعة سترى النور أسرع مما كنَّا نتوقع. وكأن ما يحصل الآن بسبب هذا الفيروس هو عملية مُحاكاة (simulation) عن الحياة التي سنشهدها في المستقبل القريب، ولم تكن اختيارية بطبيعة الحال ولكنها أجبرت ووجهت كل المبتكرين إلى سرعة إنتاج الأدوات والبرامج التي تخدم هذا التحول بشكل أسرع، ووجهت أصحاب الأعمال إلى وضع مؤشرات تقييم لإمكانية استمرارهم وتخطيهم هذه الأزمة بأقل الخسائر والكثير منهم حاولوا استغلالها كفرصة للنهوض بأرباحهم، ووصلت هذه الطفرة إلى المنازل لتجبر كبار السن على تعلم التقنيات الحديثة للتواصل والمُتابعة الشخصية للحالة الصحية والاعتماد على النفس. وبدأنا نرى أبناءنا خلف الشاشات يتابعون تعليمهم عن بعد – ما كنَّا نتوقعه بعيداً بتنا نراه أمام أعيننا وبدون مقدمات. فنحن مسيّرين إذاً لامحالة ولا يوجد وقت للتهاون.

ما يهمنا الآن كأفراد وموظفين هو التسلح بما يُمكن أن يساعدنا على عبور هذا الجسر وغيره من الجسور التي ستأتي تباعًا وهي تأخذنا نحو المستقبل، ويمكن أن نوجز هذه الآليات التي ستساعدنا على العبور بالمصطلحين الجاري تداولهما حالياً بشكل واسع وهما المرونة (Resilience) والتكيف مع المتغيرات (Agility) وبمعنى آخر نحتاج أن نتأقلم لنكون "مناسبين" للتعايش مع النظام الحيوي (Ecosystem) الجديد الذي أصبح يفرض نفسه بقوة على العالم.  المرونة والقدرة على التكيف مع التغيرات المستمرة في كل مجالات الحياة سواء في محيط الأسرة أو في العمل أو المجتمع ومع جميع أنحاء العالم. وأن نكون قابلين للتغير في أي مكان وزمان وبسرعة كبيرة.

مسؤولياتنا كموظفين تحتم علينا أن نقيّم أنفسنا وقدرتنا على النهوض بالأعمال التي نُؤديها نحو التحول القادم. وهي ليست مهمة شخص واحد بل هي مهمة مشتركة وينبغي أن يتكاتف الجميع نحو تحقيقها ويمكن تلخيصها كالآتي:

أولاً، أن يصبح كياننا أكثر رشاقة وكفاءة، وأن نقوم بدراسة جدوى لكل الأنشطة التي نقوم بها ونبدأ بالاستغناء عن ملكيتها إذا لم يكن من الضروري القيام بها بأنفسنا. بمعنى آخر ما هي الأعمال التي يجب أن نقوم بها نحن؟ هي التي ستبقى وما عدا ذلك نستعين فيها بمقدمي الخدمة من الخارج إن كانت أجدى.

ثانيا، تجديد نموذج العمل (business model) وهنا يأتي الابتكار في إمكانية تحقيق الأهداف بطريق أكثر كفاءة وأكثر فاعلية. وربما نشير هنا إلى أن كبرى المؤسسات العالمية التي نجحت في البقاء في القمة هي تلك التي نجحت في تطوير نموذج الأعمال لديها بشكل مستمر لتواكب التطورات. وهي عملية أكبر من مجرد إعادة هندسة للأنظمة فيجب أن تشمل جميع المحاور وترابطها وآليات التنفيذ والتقييم ومؤشرات النجاح.

ثالثاً، ما هي المهارات المطلوبة لاستمرارية هذه الأعمال وتطويرها، وكيف يمكننا تأهيل الكوادر لدينا بشكل مستدام ومدروس. ووضع مؤشرات للأداء تزيد صعوبتها تدريجيًا مع الوقت لتدفع بهذه الكوادر نحو تنمية هذه المهارات باستمرار.

رابعاً، مراجعة الأصول الرأسمالية وتشغيلها بما يعود بالنفع على المدى الطويل، والتركيز على الميزانية العمومية وسلامتها لأن الضربة الاقتصادية هي التي تهلك المؤسسة أكثر من أي أمر آخر، وعليه يتوجب التدقيق المستمر لضمان سلامة الوضع المالي والسمعة المؤسسية وانسيابية السيولة وإتاحتها عند الطلب.

ثم نعود بعدها لاختبار المرونة التي أصبحنا عليها ودرجة التكيّف مع ما يحصل من حولنا ومدى تأقلمنا مع البيئة المُتجددة. وتصبح هذه الدائرة نحو التغيير والتجدد المستمر هي العجلة الثابتة للبقاء.  فهل نحن مستعدون لهذه المرحلة الانتقالية؟ مرحلة تتطلب الصبر والمثابرة وإعادة ترتيب الأولويات والإصرار والاستعداد النفسي وتكاتف الجهود في كل مكان، مرحلة لا يستثنى منها أحد، ولا يسلم من تأثيرها أقوى المؤسسات والدول، ونرى الحراك جلياً في مُختلف الأوطان وعلى جميع الأصعدة، وقد تكون هذه أسرع نقطة تحول شهدتها البشرية حتى الآن.

نسأل الله أن يحفظنا وأن يُعيننا على اجتيازها وأن يكتب لنا الخير فيما هو قادم.

تعليق عبر الفيس بوك