جولة في محيط الشخصيات

 

 

خولة بنت خميس البهلاوية *

مُحيط الشخصيات التمثيلية يحيط بالملامح العامة للبشر، وتحدِّد النمط الناتج عن التجارب والمواقف، فعند الإبحار في سفينة مشاكل الشخصيات، سيتوجَّه شراعها باتجاه الخلاف بين الآخرين، وستتجاهل بر الأمان وسترسو على بر المشكلات.

يرى الباحثون في علم النفس أنه على الرغم من اختلاف تعريفات الشخصية، إلا أن هناك بعض السمات التي غالبا ما تكون مشتركة في جميع الشخصيات؛ فالناس أجناس، وصفات شخصياتهم المختلفة تميزهم عن غيرهم، وتعدَّدت مشاكل المجتمع، فتجد الوالدين لا يعرفان التعامل مع مشاكل أبنائهم، وأبناؤهم لا يعرفون التعامل معهم، وغيره من عدم الاحترام بين الناس الذي يولد المشاكل، وأكدت الدراسات العلمية أن أكثر من 80% من مشاكل المراهقين في عالمنا العربي نتيجة مباشرة لمحاولة أولياء الأمور تسيير أبنائهم بموجب آرائهم وعاداتهم وعدم مقدرتهم على فهم أنماط شخصية أبنائهم.

لقد خلق الله الإنسان، ومتَّعه بالحواس، قال تعالى: "والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون" (النحل:78). وبهذه الحواس: "السمع، البصر والفؤاد" يُدرك المرء ما حوله. ومن خلال ما ذُكِرَ آنفا، سيتم الحديث عن الأنظمة التمثيلية وأشكالها الحاضنة للمعلومات؛ بأنماطها: البصرية، والسمعية، والحسية.

أولا: النمط البصري؛ هو من يتلقَّى المعلومات بصريًّا على هيئة صور ويعيد ذكرياته عنها، ويتصفون بكلامهم السريع، وصوتهم العالي، وتفكيرهم المستقبلي، ويحبون النظام وصب خبراتهم في وعاء الصور؛ لاستقبال المعلومات وتفريغها كقالب مرئي وكل قالب يكون برسومات وصور، ويهتمون بالقالب العام وتفاصيله في جُمل قصيرة بلغة الجسد، ويصعب عليهم تذكُّر المكتوب أو المسموع، ويقاطعون الكلام، ويُميز لغتهم بعض الكلمات مثل: أرى، أتصور.

ومن حلول التعامل مع البصريين: ميزان الحديث معهم بالإبصار؛ لشد انتباههم بكلمات تعبر عن الصور، وكلماتهم قد تثقل وتسبب للشخص جرحا، ولكن البصري تعبيره صوري لا يقصد جرح من حوله؛ فيجب التحدث معهم بمستوى صوتهم، ويتمركز إبصارهم في خلفية الدماغ، وإبداعهم يمينا، أما يسارا فيختص بالذاكرة لاسترجاع المعلومات.

ثانيا: النمط الحسي؛ وهم من تكون شخصيتهم مليئة بالأحاسيس والمشاعر، ومتمكنين من تصرفاتهم بعض الشيء ليتحكموا في تصرفاتهم، ويتصفون بصوتهم المنخفض، ويجيدون بناء العلاقات والعمل بروح الفريق، وقدرتهم تحفيزية. فالحسي يتحرك في سيارة الصبر، ويقل وقود تحدثه ويبطئ، وصوته منخفض، وبطيء في اتخاذ قراراته ويتكرر خطأه، ومشاعره مقرها الدماغ، وتُميز لغته بعض الكلمات مثل: أعتقد، أشعر.

ومن الحلول التي يُمكن التعامل بها مع الحسيين: الوصول لمستوى حديثهم، والغوص معهم في بحر "الوصف المشاعري"، وتجاهل سنارة لغة الجسد بشكل كبير، واصطد بشباكك عبارات حسية عند التعامل معهم.

ثالثا: النمط السمعي؛ وهم السمعيون الذين يستقبلون المعلومة بآذانهم، وأكثر تركيزهم على السمع، ويتصفون بالحوار، ويتأكدون من المعلومة بعد النقاش والحوار، ونغمة أصواتهم رائعة، ويجيدون ابتكار الأفكار، وكلامهم كثير، ويلذ لطبلة آذانهم سماع الجمل الرنانة، ويتذوقون المواقف دون المناظر الجميلة، ويتصرَّفون في المواقف الصعبة، ويهتمون بالأصوات أكثر من الصور، ويتخذون قراراتهم بناء على ما يسمعونه، ومن الكلمات التي تميز لغتهم مثل: استمع، يقولون.

ومن حلول التعامل مع السمعيين: التعامل بنفس طريقته، والتوازن معه في كل الأمور، وفي ميزانه استخدم عبارات سمعية، وفي طرفه الآخر كن عقلانيًّا في الحوار معه، وستتوازن الأمور وستحظى بحسن التعامل مع السمعيين، وبحركة عيونهم ستعرف تمركز سمعهم يمينا والذكريات شمالا.

وعلى نحو ما تَمَّ ذِكره؛ فعلى الإنسان التعرُّف أولا على نوع صفاته، وصفات من حوله؛ فهناك اختلافات في صفات الناس؛ فالأنظمة التمثيلية بحر من الأنماط السمعية والبصرية والحسية، وبسفينة تعاملك الراقي ستطفو حكمتك في هذا البحر؛ فإذا أخفقت التدبير ستغرق السفينة؛ بسبب ثقب سوء التعامل، ولن يفيد طوق النجاة.. وحينها ستفقد التآلف ورضا النفس.

وفي ختام، ما جاء في مقالي هذا، الذي حمل على ظهر سفينته الأنظمة التمثيلية، حَدِّد نوعية رياح نمط تعايشك مع الجميع، وتحاوَر معهم بصفاتهم المتباينة من الأنماط؛ فجميعهم يمتلكون هذه الأنماط، ولكن تطغى إحداها في استقبال المعلومات على الشخصية كثيرا من خلال التأقلم الإيجابي؛ وسينتج منه التوسط في الأمور واتخاذ القرارات السليمة.

* إخصائية نفسية

تعليق عبر الفيس بوك