"جهاز الاستثمار".. الطريق نحو "عُمان 2040"

◄ عُمان ماضية بخطى حثيثة للانتقال نحو المستقبل لتحقيق رفاهية أبنائها

◄ التطورات الأخيرة في منظومة إدارة الدولة تترجم الرؤية السامية لتحقيق النهضة المتجددة

◄ جهاز الاستثمار العُماني.. إدارة متطورة للثروات الوطنية في مختلف القطاعات

◄ الجهاز بمثابة أضخم كيان مالي واستثماري في السلطنة

الرؤية- نجلاء عبدالعال

مع صُدور المرسوم السلطاني رقم 61/2020، والقاضي بإنشاء جهاز الاستثمار العُماني، تبدأ مرحلة رئيسية من مسيرة النهضة المتجددة، مرحلة تُؤسِّس لمنظومة مُغايرة، وتنتهج مسارًا يعتمد على مبدأي التطوير المتواصل وسرعة الإنجاز، علاوة على ما يُمثله هذا الجهاز الجديد من ترجمة للرؤية السامية بإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة، إلى جانب دوره المأمول والمرتقب في تنفيذ الرؤية المستقبلية "عُمان 2040"، لتنطلق بلادنا نحو آفاق أرحب من الاستثمارات، وما يستتبع ذلك من نمو اقتصادي واسع.

وجهازُ الاستثمار أحدث كيان استثماري وإداري في منظومة الدولة العُمانية، له شخصية اعتبارية، ويتمتع بالاستقلال المالي والإداري، ويتبع مجلس الوزراء، ومن المرتقب أن يتم تشكيل مجلس إدارة جهاز الاستثمار العُماني بأمر من جلالة السلطان، فضلا عن ترقب صدور نظام جهاز الاستثمار العُماني بمرسوم سلطاني.

السلطان رئيس الرؤية.jpg
وبحَسْب نصِّ المرسوم السلطاني رقم 61/2020، تؤول إلى جهاز الاستثمار العُماني كافة الاختصاصات والمخصصات والحقوق والالتزامات والسجلات والموجودات والأصول والاستثمارات المتعلقة بصندوق الاحتياطي العام للدولة، والصندوق العُماني للاستثمار، والمديرية العامة للاستثمارات في وزارة المالية، كما يُنقل إلى جهاز الاستثمار العُماني جميع موظفي صندوق الاحتياطي العام للدولة، والصندوق العُماني للاستثمار بذات أوضاعهم الوظيفية ومخصصاتهم المالية، ويكون نقل موظفي المديرية العامة للاستثمارات في وزارة المالية إلى جهاز الاستثمار العُماني وفقا لما يتمُّ الاتفاق عليه بين وزارة المالية وجهاز الاستثمار العُماني. كما تُنقل إلى جهاز الاستثمار العُماني من وزارة المالية ملكية كافة الشركات والاستثمارات الحكومية، ويُستثنى من ذلك شركة تنمية نفط عُمان، ومساهمات الحكومة في المؤسسات الدولية، والشركات التي يصدر بشأنها أمر من جلالة السلطان.

رؤية عُمان 2040

ستة أشهر تقريبا تفصلنا عن بداية مرحلة جديدة من عمر عُمان، مرحلة حلم وأفق ورؤية جديدة، تستكمل بناء صرح النهضة المتجددة، ورغم ما كَشَف عنه العام 2020 من تحديات وصعاب، إلا أن الحرص الوطني على مواصلة استكمال المسيرة الظافرة يظل هو الأمل وشعاع النور الذي يضيء لنا المستقبل خلال المرحلة المقبلة. ولا شك أنَّ الحرص السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- يمثل الداعم الأكبر والأساسي لجهود استكمال المسيرة، فإن ما شهدته السلطنة من تطوير إداري خلال الشهور الماضية، ينبئ بأن عُمان مقبلة على مرحلة تاريخية من تحديث وتطوير مؤسسات الدولة. وتمثل رؤية عُمان 2040 درة تاج مسيرة التطوير والتحديث التي يقودها جلالة السلطان المعظم -أيده الله- وهي الرؤية التي تبلورت تفاصيلها على مدى 7 سنوات من العمل الدؤوب والمتواصل، تحت الإشراف والتوجيه الساميين.

ورَغْم انشغال العالم والسلطنة بمتابعة مستجدات أزمة كورونا بصورة تكاد تكون لحظية، فضلا عن القلق بشأن أسعار النفط ومستقبل سوق الخام الأسود، إلا أن مسيرة التطوير والتحديث لم تتوقف بل متواصلة، وليس أدل على ذلك من المراسيم السلطانية الأخيرة التي من بينها إنشاء جهاز الاستثمار العُماني، في توقيت دقيق للغاية، يسبق بدء تنفيذ الرؤية المستقبلية "عُمان 2040"، وكأنه يمهد الطريق أمام إعادة توجيه استثمارات الثروة العُمانية بما يتماشى مع هذه الرؤية الطموحة والواعدة للغاية.

وما صدر من مراسيم سلطانية وأوامر وتوجيهات سامية يؤكد أن الهدف واضح والخطى تمضي بعزم نحو تحقيقه؛ ومنها: المرسوم السلطاني بإنشاء المكتب الخاص الذي يتبع جلالة السلطان، وتعيين معالي الدكتور حمد بن سعيد العوفي رئيسا لهذا المكتب، الذي سيسهم بدور محوري وفعال في تنفيذ رؤية عُمان 2040، فضلا عن حزمة من المهام الأخرى التي تتعلق بإدارة مؤسسات الدولة والانطلاق بعُمان نحو المستقبل بدماء جديدة شابة.

 

مستقبل الاستثمار

هذه الخطوات الحثيثة والواثقة نحو "عُمان 2040"، تلقت مزيدًا من الدافعية والدعم بصدور المرسوم السلطاني الصادر بإنشاء جهاز الاستثمار العُماني؛ إذ تكمن أهميته في دوره المرتقب لتنفيذ هذه الرؤية، وهو ما يتجلى بصورة أوضح في النطق السامي لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -نصره الله- في مقدمة مسودة رؤية "عُمان 2040" كما يلي:

"لقد كان نصبُ أعيننا -ونحن نعمل على تحديد الأولويات الوطنية التي ستعمل عليها الرؤية المستقبلية- إعادةَ تشكيل العلاقة والأدوار بين القطاعين الحكومي والخاص ومؤسسات المجتمع المدني، وضمان إدارة اقتصادية فعّالة واقتصاد عُماني متطور ومتنوع ومستدام".

"كما أولت الرؤية المستقبلية أهمية خاصة لقضايا الحوكمة وموضوعاتها؛ وذلك لأهميتها الكبيرة وتأثيرها في الأولويات الوطنية، من حيث تفعيل الرقابة، والاستخدام الفاعل للموارد الوطنية، وتحقيق مبادئ النزاهة والعدالة والشفافية والمحاسبة والمساءلة؛ بما يعزز الثقة في اقتصادنا الوطني، ويدعم تنافسية جميع القطاعات في ظل سيادة القانون".

ويمكن القول إنَّ "ضمان إدارة اقتصادية فعّالة واقتصاد عُماني متطور ومتنوع ومستدام" إلى جانب "الاستخدام الفاعل للموارد الوطنية"، يُمثلان أحد أبرز أهداف رؤية "عُمان 2040"، وهما الهدفان اللذان يظهران بوضوح في المرسوم السلطاني الخاص بإنشاء جهاز الاستثمار العُماني، والذي يمثل خطوة مهمة نحو تحقيق واحدة من الأولويات الاستراتيجية؛ وهي: "قيادة اقتصادية ديناميكية بكفاءات متجددة تعمل في إطار مؤسسي متكامل".

وللوصول إلى هذا الهدف، كان لابد من اتخاذ خطوات ناجعة تمثل غاية ووسيلة في آن واحد، حددتها مسودة وثيقة الرؤية في إيجاد جهة مرجعية ممكّنة للشأن الاقتصادي تعمل لتحقيق غايات التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، وقيادة اقتصادية فعالة بصلاحيات ملزمة ذات مهام واضحة وسريعة الاستجابة للاحتياجات التنموية وفقا لمؤشرات أداء محددة، إضافة إلى إدارات عليا متجددة قائمة على كفاءات تناسب ديناميكية السوق والتوقعات المستقبلية والتغيرات المتسارعة، مع منظومة تشريعات اقتصادية فعالة وممكّنة تواكب المتغيرات.

وبات جليا أن جهاز الاستثمار العُماني سيعمل على تحقيق هذه الأهداف، من خلال وضع استثمارات الدولة وأصولها داخل بوتقة واحدة، وإدارة واحدة تتبع مجلس الوزراء مباشرة، والذي يرأسه حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم؛ مما يعني الرقابة المباشرة والسرعة في اتخاذ القرارات دون عوائق بيروقراطية، فضلا عن دور الجهاز في وضع السلطنة في مركزها الفعلي والحقيقي، من حيث القوة الاستثمارية؛ وبالتالي يرفع من قدرة عُمان التنافسية على الدخول بثقلها الحقيقي في سوق الاستثمارات العالمية من جهة، والحصول على تصنيف ائتماني متقدم يساعدها على استكمال مشاريعها الاقتصادية العملاقة، وتغطية العجز في الميزانية بكلفة أقل، كنتائج إيجابية لرفع التصنيف الائتماني.

صندوق جهار.jpg
إدارة الثروة

ومن أكبر اللبنات التي باتت تشكل جهاز الاستثمار العُماني، يأتي صندوق الاحتياطي العام للدولة (سابقا) والذي أنشئ قبل نحو 40 عاما ليستثمر فوائض وأرصدة الحكومة في السنوات ما قبل 1980، إضافة إلى الزيادة في أسعار النفط عن المقدرة في الميزانيات والفائض الذي تحققه الميزانيات السنوية، لكن الصندوق ظل يتبع وزارة المالية مع تمتعه بشخصيته الاعتبارية، ومع قوته التي يحملها من اسمه ومجلس إدارته الذي يضم 4 وزراء على الأقل. غير أن قوة الجهاز الجديد باتت أكبر إذ يتبع مجلس الوزراء مباشرة، فضلا عن حجمه ككيان مالي واستثماري، الذي سيضم تحت مظلته كافة الشركات التي تملكها الحكومة -عدا شركة تنمية نفط عُمان- إلى جانب استثمارات وزارة المالية، إضافة إلى صندوق الاستثمار العُماني.

وكان صندوق الاحتياطي العام للدولة أسرع الجهات تحولا إلى "جهاز الاستثمار العُماني" محولا واجهة موقعه إلى واجهة للجهاز، ومحتضنا لمرسوم إنشاء الجهاز. ومما يعزز من قوة الجهاز الجديد أيضا أن الصندوق يمثل تجربة 4 عقود من الاستثمار الناجح في العديد من المجالات، على الرغم من أن البعض كان يرى أن يوجه الصندوق جل استثماراته نحو الداخل، بدلا من نسبة الـ80% التي كانت تتوجه للاستثمار الخارجي.

وعلى الرغم من عدم إعلان رأس مال الصندوق أو القيمة الإجمالية لاستثماراته، فإن آخر التقارير الصادرة في 2019 عن أداء الصندوق، في السنة السابقة -والتي شهدت العديد من التوترات والأحداث الاقتصادية على الصعيدين الإقليمي والعالمي- إلى جانب نظرة على أداء الصندوق خلال 2019، توضح كيف يمكن العمل في ظل الأزمات، وربما أيضا تفتح الباب أمام مقترحات نحو طرق أكثر فاعلية لتحقيق عوائد أكبر.

وفي ذلك التقرير، يقول رئيس مجلس إدارة الصندوق معالي درويش بن إسماعيل البلوشي وزير المالية: إنه وعلى الرغم من أن صندوق الاحتياطي العام للدولة باستثماراته المتنوعة ليس بمنأى عن التقلبات والتأثيرات، إلا أنه استطاع بفضل سياسته الاستثمارية الفاعلة وجهود القائمين عليها أن يدفع آثار هذه التقلبات ليبقيها عند الحد الأدنى، محافظا على معدل العائد السنوي منذ تأسيس الصندوق بنسبة تقارب 7%، كما نجح أيضا في استرداد رؤوس استثمارات مختلفة محققا عوائد والتخارج من 6 استثمارات مختلفة محققا عوائد مجزية وصلت في بعضها إلى 2.6 ضعف قيمة الاستثمار، كما أضاف 16 استثمارا جديدا خلال العام 2018، مما يشير إلى صلابة الوضع المالي للصندوق.

 

شركات وصناديق

ونجح الصندوق في تأسيس شركات من شأنها أن تعزز قوة جهاز الاستثمار العُماني في تنشيط الاستثمارات المحلية بمختلف القطاعات، ومن هذه الاستثمارات التي تأسست عام 2018: الشركة العُمانية لتنمية الطاقة، والتي ستصبح مطورا رائدا للطاقة المتجددة ولاعبا رئيسيا في تطوير الطاقة الشمسية الكهروضوئية في طاقة الرياح، وتأسيس شركة تقنيات الاتصالات الفضائية كمبادرة وطنية لخدمة احتياجات السلطنة للاتصالات، وتأسيس المجموعة العُمانية للاتصالات وتقنية المعلومات لدفع السلطنة نحو الاستفادة من الثورة الصناعية الرابعة، وافتتاح فندق كيمبنسكي مسقط الذي تمتلك شركة عُمان بروناي للاستثمار ما نسبته 25% من حصته وشركة "تنمية" بنسبة 20%. وتنضم هذه الشركات التي تعمل في مختلف المجالات إلى قائمة أخرى من الشركات متنوعة الأنشطة، والتي أسسها الصندوق، والتي تضم الشركة العُمانية للاستثمارات الوطنية "تنمية" وتتبعها جزئيا شركة تنمية نخيل عُمان، والشركة العُمانية لتطوير الابتكار القابضة "ابتكار"، وشركة تنمية معادن عُمان، إضافة إلى استثمارات الصندوق في شركة "أساس"، وتقنيات الاتصالات الفضائية، ومرافي، إضافة لصندوق تنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وصندوق عُمان للبنية الأساسية "ركيزة"، وهذه الشركات وغيرها كانت نتاج التحول للاستثمار في الداخل خلال السنوات القليلة الأخيرة.

لكنَّ الاستثمارات المحلية على أهميتها في التنمية الاقتصادية المستدامة لا يمكنها وحدها أن تحقق تنمية العوائد استثماريا؛ لذلك أبقى الصندوق على سياساته في الاستثمارات الخارجية وهو حال معظم صناديق الثروة السيادية في العالم.

ويبقى القول إنَّ جهاز الاستثمار العُماني الجديد، أحد أبرز أشكال المنظومة الإدارية المتطورة للسلطنة، كما يمثل ترجمة للرؤية السامية لمسيرة النهضة المتجددة، التي ترتكز في جوهرها على التحديث والتطوير، واستكمال جهود بناء الدولة العُمانية الحديثة، بما يضمن تحقيق رفاه المجتمع، والارتقاء بالبلاد لمصاف الدول المتقدمة، بسواعد أبناء عُمان البررة، مستلهمين الفكر السامي الحكيم، وعازمين على مواصلة الجد والاجتهاد في خدمة الوطن الغالي.

تعليق عبر الفيس بوك