العلم والمال عزة.. السياحة نموذجًا

 

 

إسماعيل بن شهاب البلوشي

مَنْ يَرَى أنَّ غَيْر العلم يحقق ويوصل فعليًّا إلى النجاح في رفاهية الأوطان، فإن عليه أن يُعيد النظر فيما يراه؛ حيث لا يمكن لأي حضارة أو وطن أن يعيش الحياة الكريمة إلا إذا سخَّر ووظف العلم، وجعله مناسباً لاستغلال كل ما فيه وكل ما حباه الله من أساسات ومقومات، وشكَّلها في قالب منظم به كل ما يتمنى ليكون في قوة وحياة طيبة.

اليوم.. سأتحدث عن السياحة كنموذج فكري وخطوط إستراتيجية عريضة، وكما أقول دوماً إنني لا أدَّعِي المعرفة المطلقة، بقدر ما أفتح آفاقَ فكر يُمكن لمن هم أفضل مني تبنيها وإظهارها كما يجب، متمنياً وملتمساً من المعنيين والمسؤولين ألا يرموا بما نكتب أو نقول أو نتداول؛ لأنَّ استقطاب الفكر وتحليله وفرزه، وأخذ ما فيه من إيجاب يعدُّ واحداً من أهم فصول النجاح الحقيقي في الدول الطموحة والناجحة.

السياحة ليست فقط ذلك المفهوم المحدَّد في أنَّ مجموعة من الزائرين تدخل الوطن ويستفيد من ذلك أعداد معينة من  الناس أو الجهات، بل هي أمرٌ عظيم ومهمٌّ، بل ومِفْصَلي في حياة أي شعب، وفي أي مرحلة من الزمن، ولكن في هذه العجالة، سوف أتحدث فقط عن الجانب الاقتصادي، وأود أنْ أوثِّق هنا أنه وحتى الدول العظمى والغنية بمختلف الموارد، فإنَّ رفد الموازانات من خلال السياحة يُعتبر أولوية قصوى، وتؤهل كل جوانب الوطن من أجل الظهور بالمستوى الذي يليق بشموخ أي وطن واعتزازه بذاته مستفيدة من كل ما تملك من إرث حضاري وطقوس وعادات وتقاليد وبناء وتكوين بشري. السياحة أو الصناعة أو القوة أو أي أمر آخر تمتعت به أي أمة كان أساسه أمرين مهميْن؛ هما: معرفة مكامن القوة فيما تملك، والثاني هو الثقة والتصميم على تحقيق الهدف والنجاح، وإنني ولو كنت أعلم أن وطني عمان لا يمتلك المقومات الأساسية لما جعلت من حلمي وطموحي أن أراه ملاذاً سياحيًّا للكثير من خلق الله.

عندما تزور لندن أو روما أو موسكو -على سبيل المثال- فإنَّك ترى حشودا بشرية بمسارات معينة وبأعداد خيالية وبألوان وسمات بشرية على مد البصر، ويُخيَّل إليك أنهم ذاهبون إلى مناسبة أو احتفال لوقت محدد، ولكن في الحقيقة تلك الحشود سياحية، تم تنسيق مساراتهم وأماكن معينة يحرص الجميع على رؤيتها، بل يزاحم كزحام الحج الأكبر لرؤية ذلك المكان، وإنني لا أحسد الناس على ما آتاهم الله من نجاح، غير أنني وفي عمق نفسي، أحزن غاية الحزن، وأسأل نفسي: ماذا ينقص مسقط عن العواصم التي ذكرت؟ والإجابة التي أنا مؤمن بها فقط أنَّ الكنز الذي نملك لم تصل إليه الأفكار التي يستحقها، وأنا فقط اخترت الجزء الأسهل الذي هو مستعد اليوم أن يكون لندن الثانية، ولم أتطرق إلى ظفار أو الجبل الأخضر، والرمال، والوديان، والقلاع العمانية، والشواطئ والكهوف التي تنادينا أن نُعيد إليها الحياة؛ وذلك أمر آخر قريباً سأكتب فيه موضوعا منفصلا بإذن الله.

فماذا لو أن طريق الكورنيش الحالي يتم وقف مرور السيارات به، ويُستبدل المكان بطريق آخر، وتكون الطريق الحالية مُتوقِّفة عند الدوار فقط، والقادمون من مسقط يقفون عند دوار القصر ويعودون منه، والطرق الداخلية بها النقل العام بحارة خاصة ومستمرة دون توقف وبنظام البطاقة لفتح باب الحافلة، وتكون مساحة الكورنيش الحالية لهواة الرسم والتمثيل والإبداع العماني بأسلوب منظم وراقٍ، ويرتبط الطريق مشياً إلى قلعة الجلالي والميراني، وتكون بها فرق قتالية ومحاكاة لحياة الأمس الحافل بالبطولات، ويرتبط الميناء وسوق مطرح بتنظيم عالي الجودة ومحميٌّ بالقوانين الصارمة. أما الفعالية الرئيسية، فهي واجهة قصر العلم العامر، الذي يمكن أن يعجُّ بالجنود والخيل والموسيقى من الخيالة والهجانة، وحتى من فرق المظلات، وتكون هناك أساليب مرافقة للخيل لمواكب الزوار الرسميين تماماً كأرقى دولة في العالم.

السؤال هنا: كم يحتاج هذا الأمر من المال؟ أقول: صفر؛ لأن كلَّ من ذكرت هم يعملون، ولديهم النقل وكل ما يلزم، وإذا ذَكَر أي مسؤول واستصعب أي مما ذكرت؛ فالإجابة: "أحسنت، شكراً، قُمت بما تستطيع، وعلينا أن نجد المسؤولين الذين هم على مَقْدِرة لتنظيم عمل راقٍ"، وبالأيام سنجدهم، وبالعمل الحقيقي والفعلي سينتج الواقع مسؤولين أكفاء لا نتوقعهم، ولن يكون هناك أي مكان لضعيف؛ لأن المرحلة مرحلة عمل وإنتاج وليس مسؤولي تصريف وطلب وبعثرة المال في مشاريع عملاقة صمَّاء؛ لأنني هنا أتحدث عن التعامل الذي يمكن لمنسقهم أن يبدع كما أبدعوا، فماذا لو أن تلك القلاع كانت متاحف لمقتنيات غالية ارتبطت بأئمة وسلاطين يعجزُ فكري عن شمولية وصفهم ووصف تاريخهم.

مرَّة أخرى، وكما أقول دوماً، إنني أتحدث عن الفكرة العامة، وهناك -وبكل تأكيد- مَنْ هم أفضل مني في التفصيل، وأقول إنَّ في عمان كنوزًا يجب علينا أن نعمل على استخراجها.

تعليق عبر الفيس بوك