تقاعد الـ30.. بَيْن ألم خرق السفينة وإنقاذها!

 

 

خالد بن درويش المجيني

يَبدُو أنَّ الأمر أصبحَ واقعاً؛ فالقطار الذي يحمل رقم 30 عاما من الخدمة، قد دوت صفارته لينطلق، حاملا في قلبه أشخاصًا تتعلق أبصارهم بمشهد المغادرة، وأفواههم لا تزال مفتوحة من هَول المفاجأة، محاولين تحت ضغط الزمن وقلة الخيارات، إيجاد حلٍّ منطقي يُلبِّي متطلبات رحلة الحياة، ومحاربة "دراكولا" الديون، هذا المُغتَصِب الذي التَهَم جزءا من تعب الـ30 سنة الماضية، وسيلتهم كما يبدو ما تبقى من تعب العمر.

هذا الرحيل المفاجئ أثَار الحديث حوله من كُتَّاب السلطنة، وأصبح يتصدر المجالس الإلكترونية، في محاولة أخيرة -كما أعتقد- لإيقاف القطار، أو تغيير مسار مُخصَّصات رُكَّابه التقاعدية، التي ستصل إلى 12 ألف ريال في أحسن أحوالها بالمؤسسات المدنية، لكنها محاولات هشَّة، قد تؤتي أوكلها مستقبلا لكن ليس الآن؛ فالوضع المالي للسلطنة مُتأثر بانخفاض أسعار النفط، والدين العام حتى بداية هذا العام يصل إلى 16.5 مليار ريال، ناهيك عن أزمة التشغيل وتكدُّس المؤهلين بالبيوت التي تتصدر أوليات العمل الحكومي حاليا.

وبالعودة للقرار، فإنَّه يحمل الألم والأمل -كما يبدو- وأشبه بخرق السفينة "فَانْطَلَقَا حَتّىَ إِذَا رَكِبَا فِي السّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً"؛ فخرق الخضر -عليه السلام- للسفينة كان مُفَاجِئا، ومثيرا للهلع عند سيدنا موسى ومن معه من ركاب السفينة، ولاحقا بالطبع كلف مصاريف إصلاحها، لكنه أنقذها من السلب والهلاك بيد الملك الذي يأخذ كل سفينة غصبا.

فالتقاعد الإجباري -بالمقاربة- سيدفع ثمنه وألمه جيل نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، الذي عايش نضال البداية، وقرر مغادرة الساحة، مُلقِيا طوق الأمل للقادمين الجدد.

فالمغادرة ستفتح أبوابَ تجديد الجهاز الإداري، والتوظيف أمام الشباب، الذين تتراكم أعدادهم ليصل إلى ما يزيد على 40 ألفا سنويا من مخرجات الثانوية والدبلوم والجامعة.

فمن جملة 152 ألف عماني يعملون بالجهاز المدني وفق إحصاءات عام 2018، قد يغادر ما يقرب من 20 ألف موظف.. وبحسبة بسيطة لهذا العدد، ورواتب جدول الدرجات المالية الصادر أخيرا، يُمكن أن يوفر ذلك 10 آلاف وظيفة، دون أعباء إضافية على ميزانية الدولة، وهذا العدد قد يكون مساويا بالجهاز العسكري.

ما يُميِّز هذه الخطوة استمراريتها، فبعد هذا العام، سيأتي العام القادم وسيرحل آخرون، وستتوافر الفرص الوظيفية، وهو حلٌّ ذهبي لمعضلة الباحثين عن عمل، ولكن يحتاج إلى خطوات تكميلية أخرى ليكون ناضجا وفاعلاً.

فالسؤال: كيف سيتم التوظيف؟ وأين ستذهب الوظائف؟ فالصورة يجب أن تكون واضحة ومعلنة للجميع، وأن تضمن السلطة التي اتخذت هذا القرار الجريء تطبيق الموضوعية والشفافية في الإجراءات، والضرب بيد من حديد على أمراض الواسطة والمحسوبية.

فيجب أنْ لا نُغْمِض أعيننا بعد اليوم عن ظاهرة تخصيص توظيف فئات معينة في مؤسسات بعينها، وذهاب وظائف لأولاد فلان، وأخرى لمن تسبق أسماءهم الألقاب، هذا السرطان الخبيث سيذهب بهذه التضحيات والمحاولات أدراج الرياح. وهو ما يجب أن لا يُسمح به أن يحدث، وعلى كل من تُسوِّل له نفسه أن يضحي بالكفاءات من أبناء هذا الوطن لحسابات شخصية، أن يستعد أيضا لتلقِّي عقوبات رادعة والتضحية به على مذبح مصلحة الوطن.

تعليق عبر الفيس بوك