"واشنطن بوست" ترصد تباين الآراء العلمية

الجدل يتفجر حول ضعف قوة "كورونا".. هل يستشرس أم يتلاشى؟

ترجمة - رنا عبدالحكيم

أثَار عَالِم الفيروسات والطبيب الإيطالي الشهير أرنالود كاروسو، الجدلَ حول ضعف قوة فيروس كورونا، مشيرا إلى أنَّ عدد الوفيات والحالات والمرضى المصابين بأمراض خطيرة، ومقدار الحمل الفيروسي الذي رأوه على المسحات، آخذ في الانخفاض أو الثبات حتى مع إعادة فتح القطاعات، وتوقع كاروسو أن يختفي الفيروس حتى بدون لقاح، وأن التباعد الجسدي وارتداء الكمامات قد لا تكون هناك حاجة إليهما قريبًا.

وحسبما نشرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، اعترف كاروسو بإمكانية وجود تفسيرات أخرى وعودة مستقبلية للفيروس. ورغم أن فكرة "الفيروس الضعيف" تحظى برواج بين الكثيرين، إلا أنَّ ترجيحات أخرى تشير إلى أنه يعاود الظهور بشكل مختلف في عدد من الدول التي تجاوزت أسوأ حالات التفشي. وثمة عبء كبير على الباحثين لإثبات مثل هذه الادعاءات، فضلا عن استخدامها كأساس لقرارات تتعلق بالصحة العامة. وقالت الصحيفة -في تقرير لها- إنَّه من المؤكد أنه لم يتم إثبات ذلك، في حين يُمكن أن تؤدي حجة "الطفرة" إلى خيارات سيئة إذا تم أخذها بجدية.

وتتغيَّر الفيروسات بمرور الوقت، وأحيانًا على نحو مؤثر، وهذه التحولات الناجمة عن الطفرات الجينية للفيروس هي التي تعزز الحاجة الماسة لتطوير لقاحات لمرض الأنفلونزا مثلا كل عام. وثمة ربط علمي بين زيادة الوفيات الناجمة عن فيروس وعدم انتشاره مجددا؛ باعتبار أن المضيفين بعد موتهم لن ينشروا الفيروس، لذا يصبح بعض هذه الفيروسات أخف في شدة إصابة المرضى.

ويعمل العلماء الذين يعكفون على إنتاج لقاحات على تسريع عملية الطفرة لإنتاج ما يُسمَّى بلقاحات الفيروس الواهنة الحية، والتي تحتوي على سلالات تنتج مناعة ضد الفيروس الأصلي.

وأوضحت الصحيفة أنَّ السؤال المطروح الآن هو: ما إذا كان الفيروس الذي يسبب مرض "كوفيد 19"، والمعروف باسم "سارس كوف 2"، قد يمضي في هذا المسار من تلقاء نفسه أم لا؟!

وهناك فارق هائل بين الهدوء الناتج عن التحول المستمر في الفيروس، والسبب الناجم عن ديناميكيات أخرى؛ فالأول يعني أن للفيروس فرصة حقيقية للتلاشي كتهديد رئيسي مع مرور الوقت. في حين أن السيناريو الثاني يشير إلى أن الفيروس يمكن أن يعود لـ"الثأر" إذا خفضت الدول والأفراد حذرهم والإجراءات الوقائية. وفي الوقت الحالي، لا يبدو أن هناك أدلة كافية لدعم فكرة التحول.

وبيَّنت الصحيفة في تقريرها أنَّ الأمر الإيجابي يتمثل في أن الفيروسات التاجية بطيئة التحور، مقارنة بالإنفلونزا، ولا يبدو أن "كوفيد 19" يشذ عن هذه القاعدة. فمعظم الطفرات لا تؤدي إلى أي تغيير ذي مغزى في كيفية نشاط الفيروس. ووجدت الدراسات المبكرة لجينومات فيروس كورونا تغيرات جينية، لكن ليس سلالة جديدة، وهي فرع من الفيروس يختلف وظيفيا عن غيره.

وفحص معهد علم الوراثة بجامعة كلية لندن أكثر من 15000 جينوم، للتحقق من الظهور المحتمل لسلالة فيروسية أكثر قابلية للانتقال. ويبدو أن الطفرات التي وجدتها إما حيادية أو ضارة قليلاً بانتشار "كوفيد 19"، ونسخة أقل عدوى وأقل احتمالا للالتصاق بجدار الخلية. ولم ينظر الباحثون في إمكانية حدوث طفرة تجعل الفيروس أقل فتكًا، لكنهم قالوا إن معظم التغييرات الجينية المتكررة التي رأوها حتى الآن لا تبدو وكأنها تكيفات تطورية.

ومع غياب الكثير من البيانات والمعلومات حول المجموعات السكانية المحددة التي يتم مقارنتها لكل من المسحات والتجارب السريرية، فإن مؤيدي حدوث الطفرات لا يزالون يقدمون أدلة، وقد يكونون مُتحيزين فيها. ويمكن أن يكون النشاط الفيروسي الأقل في التجارب المعملية -كما وصفه كاروسو- أكثر إلحاحًا، لكنه يصف هذا بأنه نتيجة مبكرة جدًّا ولا يبدو أنه تم تأكيده أو ربطه بتفسير بيولوجي.

وإذا لم يتحوَّل الفيروس إلى شكل أخف، فما الذي يمكن أن يفسر أيضًا لماذا لا يبدو سيئًا في بعض الدول؟ الحقيقة هي أنَّ العديد من الأمور الأخرى يمكن أن تكون السبب. وقد يبدو الفيروس أضعفَ في المناطق على الجانب الآخر من ذروة الإصابات؛ لأن الاختبارات والمراقبة الموسعة ترصد المصابين في وقت مبكر من مسار مرضهم، وذلك على عكس الأشهر الماضية عندما تم اختبار معظمهم فقط إذا مرضوا. وبات الأطباء على اطلاع حول كيفية علاج المصابين، ولم يعودوا يشعرون بالإرهاق كما كان سابقًا.

ومن المحتمل أن تكون الإصابة قوية لدى الأشخاص الأكثر ضعفًا بسبب ضعف جهاز المناعة أو عوامل أخرى، خاصة في المناطق المتضررة بشدة في إيطاليا.

وتختتم الصحيفة التقرير بالإشارة إلى أن المسار الأكثر حكمة لفترة طويلة مقبلة يتمثل في التعامل مع "كوفيد 19" باعتباره  تهديدا خطيرا ولا يزال موجودًا حول العالم.

تعليق عبر الفيس بوك