خدعة "الجوكر"

أنيسة الهوتية

كسح فيلم الجوكر الأخير والأوَّل كبطولة مطلقة له شباك التذاكر الأمريكي وشبابيك العالم السينمائية مما أهله للفوز بجائزة الأوسكار، والجائزة في نظري لا تذهب إلى الجوكر لشخصيته المريضة المسكينة، المتمسكنة والعدوانية بل تذهب إلى خواكين فينيكس لأنه استطاع تقمص الدور الإجرامي، الكئيب، الممل والمليء بالأوهام يإتقان شديد وهذا ليس بغريب عليه فتلك ليست الجائزة الأولى التي ينالها، وإن كان هناك مُمثل آخر ينفع لبطولة الجوكر المطلقة غير خواكين فإنِّه سيكون خافيير بارديم فكلاهما لديهما ملامح بريئة وشريرة بذات الوقت وقدرة على التقمص الإبداعي لمثل تلك الأدوار.

ورغم أنني قرعت باب الأربعين إلا أنني لازلت أهوى أفلام ديزني و"الفيريتيلز" الخيالية والأفلام الرومانسية المُتزنة أكثر من غيرها، ومن باب علم النفس فهذا نوع من الاسترخاء والابتعاد الذهني عن ضغوطات الحياة والمسؤوليات التي نواكبها يوميًا، لذلك الشباب والمراهقين الحماسيين هم الجمهور الأكبر لأفلام الأكشن، الرعب، الخيال العلمي، وغيرها الكثير من الأفلام التي تساعدهم على حرق كميات كبيرة من الأدرينالين الذي هم غير قادرين على حرقه في روتين حياتهم الخالي من المسؤوليات والضغوطات سوى الحماس الذي يخلقونه لأنفسهم من خلال مشاريع وبرامج أو متابعة أفلام ومسلسلات كتلك.

ولأنهم الجمهور الأكبر فمن الطبيعي أن يتسيد نجم فيلم الجوكر سماء الأفلام، وهنا كان مربط الذكاء والإبداع للكاتب، والمخرج، والمنتج ولربما هذا أول فيلم يختار الأوسكار ويسحبه لنفسه بذكاء، وليس كغيره ممن ينتظرون أن يختارهم الأوسكار!

وكانت تلك هي خدعة الجوكر، فالفيلم كله كان عبارة عن أوهام وخيالات ذهنية حاكها عقله وهو قابع في سجنه بمستشفى المجانين تحت تأثير الأدوية النفسية، وهذا ما استطعت الاقتناع به بعد أن شاهدت الفيلم! ولم أشاهده تشوقاً بل فضولاً، لذا أصبحت شريكة مع الجمهور في دفعه إلى شباك التذاكر.

ومثل خدعة الجوكر هذه، هناك خدع كثيرة في محيطنا لازالت تنطلي علينا وهي أكثر خبثاً من حيث تحويل الطالح إلى صالح بتزييف الحقائق، وتبرئة المجرمين بحجة أنَّهم ضحايا وللأسف لا تتخصص مثل هذه الخدع بجمهور مُعين سوى غيره إنما تستهدف استعطاف الجميع مثل المحامي الذي يترافع لتبرئة مجرم متوحش أو تخفيف عقوبته باستعطاف الرأي العام.

وهو ما نسميه من الجهة الدعائية بالترويج، فكما يروج التاجر لبضاعته حتى تزيد مبيعاته، وبذات الحبكة الترويج لبراءة المجرم بتحويله إلى ضحية وهذه أدهى لعبة يلعبها أصحاب المصالح لحماية المجرمين لأنها تتسبب بخلق أعداد كثيرة منهم، وهنا لا نقصد كل من تعرَّض للظلم والمُضايقة، بل كل إنسان سولت له نفسه الشر سيتبع شره إشباعاً لرغباته متحججا بأسباب وأعذار قبيحة لا ترتقي إلى مستوى الإنسانية، والنوع الآخر من الترويج هو استخدام ضحية حقيقية أو موقف معين لأجل تصعيد معركة شخصية وفي الأصل الضحية نفسه لا يعني للمروج شيئا.

كما نرى الآن أن العالم كله انقلب على سياسة أمريكا الداخلية المتهمة بالعنصرية ضد الأمريكان السود بعد مقتل جورج فلويد، وهذا نوع من الترويج ضد رئاسة ترامب والذي يقوده من لهم مصالح أو رغبات في الجلوس على ذلك الكرسي باستفزاز الجماهير واستعطافهم، بينما لم يرمش لهم جفن حين كانت ذات السياسة سبباً في قتل وتشريد المئات والآلاف من الأطفال، والنساء، والرجال المسلمين والفلسطينيين وتذليلهم أمام الصهاينة الظلمة.

وحكمت أمريكا أن القدس يهودية بتحويل المجرم الصهيوني إلى ضحية متحججًا بتاريخ نبينا يعقوب عليه السلام، وبأنَّ الأراضي المقدسة هي دياره فإذاً هي حق لليهود والصهاينة!

وهنا نسأل عن تاريخ أمريكا، والحكم لمن يجب أن يعود؟!