وصم الذات

 

فاطمة الحارثية

 

لي في الحياة قصص كثيرة ومواقف كنت أعتقد أنها طبيعية، وأتخيل أنها تحصل لجميع الناس، ومع مرور العمر وسماع ما في جعبة غيري ورؤية ما حولي، أدركت أنَّ لكل إنسان بصمة حياة متفردة لا تشبه أحداً مثل بصمة أصابع اليد، بعض الجميل المشترك في الحياة الدنيا أننا بالإمكان أن نتشارك اللحظات ونستمع إلى بعضنا البعض، أكثر ما أحب في الحكايات وأنا أنصت إليها بشغف تخيلي للمكان والناس من حول الحاكي وردود الفعل، أتخيل مئات السيناريوهات في كل حكاية حتى ينتهي من سردها، لأضحك على خيالي والحيوات التي عشتها في دقائق معدودة.

أدركت متأخرة أنَّ أحلام طفولتي لم تشبه غيري، فلم أحلم بوظيفة العمر كطبيبة أو مهندسة ولا بفارس الأحلام، كنت أحلم أنني أجالس مجموعة من الحكماء وجميعنا نرتدي جلابيب بيضاء نشكل حلقة نستقبل فيها الناس لنستمع إليهم وبعد قراءتي لحكايات "الطاولة المستديرة" رفعت حكماء خيالي حول الطاولة على أن تكون نصف دائرية لنجد متسعاً للساعي إلى مجلسنا ورأينا، وكنت أضع لنفسي مقعدا على أقصى اليمين "كمتابع عام ومتعلم"، وأبقى أشكل الأحداث وتطورات الأمور حتى وصل بي الأمر أنَّ في منامي كنت أقوم بذلك، وفارس الأحلام "المنقذ" لدى معظمنا، في خيالي لم يكن إلا أنا من يمتطي الجواد ملثمة منطلقة، في يُمناي سيف قاسم واللجام يحكمه شمالي– أتخيل بعضكم وهو يضحك الآن من خيال طفولتي-.

في الحياة متسع للجميع، لا حاجة للزحام أو السرعة أو حتى الصراع، إن لم تجد لك مقعداً في قافلة ما انضم لقافلة أخرى، إن لم تجد الراحة مع أحدهم استمر ولا تستسلم لمفسدات العواطف والمشاعر كالوسواس وإدمان الشك وإطلاق الأحكام والتدخين والمخدرات والمسكرات أياً كانت حالة الأمور وسُبل الهروب والانسحاب التي قد تتبعها، فهي التي تُشكل وصمًا لذاتك قبل عائلتك ومحيطك، الكثير من الأمور المحبطة تتوالى من حولنا كالفيروسات إن اهتممنا بها وأعطيناها حجماً أكبر من حجمها فإننا نفتح لأنفسنا الكثير من العذاب والسلوك الذي يصعب إصلاحه فيما بعد.

المقارنة: أعدها داء العصر، وليس شكلاً من أشكال التنافس أبداً، تسبب أمورا كثيرة لها أضرار نفسية واجتماعية مثل سلوكيات لفت الانتباه، الضغائن والحسد، كثرة الخلافات وسيادة الشر وتمكنه بين الناس وتدمير العلاقات.  

العنصرية والتمييز: هما مضمار لرفع اقتصاد بعض الدول، فهما أقدم الأسباب من أجل البدء في الحروب سواء الأهلية أو العالمية أو غيرها وازدهار تجارة الأسلحة والقنوات والجرائد الصفراء، وطبعاً ارتفاع عوائد استثمارات عملاء الفتن والدسائس.

  الجهل: أخطر ما لا يمكن إصلاحه إن أفسد شيئا أو كان سيدا للمواقف في جماعة أو قوم، ووقود لنار جهنم، وليس الجهل يُرادف الأمية أو حتى عكسه القراءة والكتابة والشهادات، وكما تعلمون ليس له علاج أو لقاح، وإن افترضنا أننا أمام حافظ مجلدات المكتبات بشتى أنواعها فالحكمة ليست بالمعرفة أو الحفظ بل بالقدرة على تطبيق تلك المعرفة بالطرق السليمة والصحيحة في الحياة والانتفاع والنفع العام منها.

جسر...

ليس مطلوب منك أن تشبه أو تتبع أحداً، فكما تعلم لن يُقبل عذر اتباع ما وجدت عليه القوم وإن كانوا أهلك لنجاتك من عذاب النار "يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا". لقد جئت إلى الحياة وحيدا وسوف تُغادرها وحيدا حتى التوائم كلُ يُدفن لوحده بالرغم من أنَّ أرحام أمهاتهم جمعتهم، فقدر القبر تجسيدا حقيقاً للوحدة فلا تكن لنفسك ظالماً ويكفيك اجتراع جور الناس عليك، فقم وعش كما يجب ويُحب الله، واستعد جيدا للخلود.