جحافل العطاء

إسماعيل بن شهاب البلوشي

 

من ينظُر إلى التاريخ من زاوية الرَّغبة الأكيدة للمعرفة والاستفادة، يعلم تماماً أنَّه مُتقلب به من جهاد البقاء والأحداث الكثير من العِبر، وفي مراحله المختلفة أفرز عقولا استطاعت أنْ تفهم الواقع وتشخِّص ملامحه، وتجعل من أحداثه سُلماً للرقي إلى حياة أفضل مهما كانت معطياته.

من منظُوري الشخصي، وثقتي المطلقة في حكومتي الرشيدة، أرى أنَّ قرارَ التقاعد الذي صدر مؤخراً، كان مدروساً، وكان الخيار الأقرب إلى المصلحة العُليا للوطن؛ نظراً لما يمرُّ به العالم من تحولات وتحديات غير مسبوقة، وهو اختبارٌ مفصلي في عمر الحضارة البشرية لهذه المرحلة، وسيكون النجاح والتفوق للأمم التي ستجمع الفكر على المنظور العام، والبُعد عن المصالح الأدنى، وهناك أممٌ ستحوِّل هذه المرحلة إلى نجاح مُستدام وليس مرحليًّا، واستمراره لا يعتمد على أمر ما كالنفط مثلاً، ويعيش الخوف بين ارتفاع سعره أو هبوطه؛ وبذلك لا يمكن له التخطيط الفعلي لمستقبله مطلقاً، وكذلك فإنَّ أي بناء اقتصادي وأي حجم من المشاريع وفي أي دولة لا يمكنه الصمود إذا لم يتطور منظور الإنسان وسلوكه ومقدرته على العمل والعطاء.

خلال الفترة القريبة المقبلة، سنرى أعدادًا كبيرة من المتقاعدين في المنازل، وإني على ثقة كبيرة أنَّ معظم المتقاعدين وصلوا إلى مرحلة راقية من الخبرة والمعرفة والاتزان الفكري والمقدرة المطلقة على العطاء بأسلوب آخر، يمكن أن يعكس موازين الاقتصاد وعلى مستوى الوطن، ويكون انطلاقاً لآفاق وطنية واعدة تنعكس فوائدها على الفرد والمجتمع والمصالح العليا للوطن.

ولكن ما سأطرحه من وجهة نظر، عسى أن تكون موفقة، هي بحاجة لدعم حكومي فعلي، وتوجيه النظم والقوانين لمساعدة المواطن على المنافسة، وأن تكون استثمارًا وطنيًّا من أعلى الجهات في هذه الفئة الجديرة بالاهتمام لتحقيق النجاح.

أنا مُتأكد أن جهات الإختصاص، ولو أنها كثيرة ومتداخلة الصلاحيات، إلا أنها تملك مرجعاً للسجلات التجارية على مستوى الوطن، وأسماءها والكثير مما لها وما عليها، ولكن من هي الجهة التي تستطيع -وبأرقام دقيقة وواضحة من هذه الأسماء- أن تدير أعمالها أيادٍ عمانية ربحاً أو خسارة؟ وكم هي النسبة الفعلية لذلك؟ وهل هي مُرضية لمصلحة الوطن؟ وإذا كانت غير ذلك، فهل لا نملك حيلة أو حول لتغيير تلك النسبة؟ وهل هو عجز في القرار أو في قلة الإقبال من المواطن؟ أو انه أوجد في منافسة لم يُنصفه قانونه الوطني وخرج خاسراً لا يستطيع منافسة الوافد الذي لا نستبعد أنه مدعوم من مؤسسات وجماعات، بل وقد يكون من حكومات وأوطان؟!!!

مقترحي اليوم ولحكومتي الرشيدة، وتزامناً مع أعداد المتقاعدين الذين شرفوا الوطن وشاركوا بكل فخر في بنائه منذ فجر النهضة، أن نطوِّع القوانين التجارية لصالح المواطن العماني، وأن تكون تلك القوانين مرتبطة بكل صدق وشفافية ووضوح مع تطبيق المواطن للمعايير والضوابط الخاصة بذلك، وأنه وبأقل مثال لذلك فلو أنَّ مواطنًا افتتح محلَّ حدادة أو ورشة للألمنيوم أو أصغر أو أكبر من ذلك، وبها منافس وافد، أن يكون مثلاً كل العمالة التي يريدها لهذا العمل أن تكون  دون أي رسوم سنوية، شريطة أن يكون المواطن على رأس العمل فعليًّا، وأن يكون المعني بالربح والخسارة والتفاوض في أي عمل، وأن يكون هناك مُراقبون ذوو ثقة كاملة ومقدرة على المعرفة التي لا تدعو إلى أي شك في الأمر.

وأخيراً.. فإنني لم أذهب بهذا المثال المتواضع إلا  لطرح روح الفكر، وإني مُتأكد كل التأكيد  أنَّ هناك من هم أفضل مني لطرح وإقرار ما هو مناسب لتأسيس نظام يستقطب المواطن العماني، ويشجعه ويحميه، ليكون قادراً على المنافسة الفعلية، على أن يكون التاجر أيضاً صادقاً فاعلاً، وبعيداً عن أي استغلال لما يمكن أن يكون قاعدة انطلاق لعملٍ أفضل.