كلية الابتكار


فايزة سويلم الكلبانية
يقف البعض منا اليوم أمام مشاهد كورونا المتباينة بين السلبية والإيجابية متسائلا: هل سيكون العمل عن بعد باستخدام التقنية ناجحا وبديلا عن الحضور المكتبي اليومي؟! هل حان الوقت لتأسيس كلية متخصصة بالابتكارات؟ هل نحن بحاجة إلى استهلاك معدلات كبيرة من البترول يوميا في التنقلات؟! هل نحن بحاجة لدفع إيجارات شهرية تصل إلى "الآلاف"؟! هل سنتيح للبيئة والطبيعة فرصتها لتتنفس بعيدا عن التلوث بين فترة وأخرى؟! هل نحن مستعدون للتحول التقني ومواكبة التطور؟! هل سيسقط الدولار الأمريكي عندما يتم استحداث عملة رقمية؟!
كل هذه التحولات التقنية تلزمها مواكبة منا نحن كبشر في معرفة آليات التعامل واستخدام التقنيات المختلفة، وبما أنّ الإنسان يظل طالبا للعلم مهما بلغ من العمر، اليوم لابد لنا من مواكبة التطور التقني، والجميل بأنّ أعدادا كبيرة منا بدأت تشق طريقها في استكشاف الحلول التقنية والتفنن في استخدامها في الحياة اليومية، والتعرف على كيفية العمل عليها بشكل تدريجي، ولكن التعلم الذاتي اليوم لا يكفي لنصل إلى التحول التقني الكامل المتقن والمتخصص ليحول منظومة الأعمال بالاتجاه الصحيح وخلال سنوات زمنية وجيزة مواكبة لما وصلت إليه الدول المتقدمة تقنيا كاليابان والصين وغيرها، اليوم لابد وأن يكون هناك اهتمام أكبر، من خلال العمل على تأسيس "كلية الابتكار" والتي تهدف إلى البحث عن المبتكرين بمختلف المحافظات والأعمار لأننا نؤمن بأنّ الاختراع مهارة لا يملكها الجميع، ومساعدتهم في التدريب والتأهيل ودراسة التخصص بتعمق، تحويل الأفكار الناشئة إلى ابتكار ومنتج ملموس، تخدم كافة المبتكرين بمختلف أعمارهم وتوجهاتهم وتطوير أفكارهم، وتهتم بتوجيههم وتدريبهم بشكل متخصص ومركز، يعمل جنبا إلى جنب مساندا مع الصندوق العماني للتكنولوجيا، ووزارة التقنية والاتصالات ومجلس البحث العلمي، وغيرهم من الجهات المختصة.
في ظل تذمّر الكثير من ضرورة العودة للأعمال بمقر العمل رغم مخاطر كورونا المنتشرة، إلا أننا نجد في المقابل الكثير من الشركات والمؤسسات الحكومية والخاصة بالسلطنة ومختلف دول العالم عملت جاهدة على تفعيل الأنظمة التقنية الحديثة بجدية كحلول بديلة من التواجد اليومي بمقر العمل، وعقد الاجتماعات واللقاءات المعتادة للاستمرار في انجاز أعمالها، إلى جانب تفعيل برامج ومنصات التعليم البعد، وكذا الحال في سلطنة عمان، كما يرى البعض من أصحاب الأعمال بالقطاع الخاص ولاسيما من أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي ترتبط أعمالهم بشكل مباشر بالجمهور والمستهلكين من خلال منصات البيع والشراء والتوصيل، وتتم إلكترونيا عن بعد، وقد يكون الأذكياء منهم قد استطاعوا أن يحققوا نسبة مبيعات تتجاوز الفترة العادية قبل كورونا نتيجة للإقبال من الجمهور على التسوق الإلكتروني اكثر، وفي المقابل قد يفكر البعض من أصحاب الأعمال التخفيف من أعباء بعض المصروفات الشهرية التي قد تكبده الكثير من الخسائر المتمثلة في مصاريف الإيجارات وما يتخللها من مياه وكهرباء وتغذية واشتراكات الانترنت (الواي فاي) وغيرها، ويكون البديل العمل عن بعد، وبالطبع هذا الوضع قد يكون ناجحا لدى قطاعات معينة وليس الكل.
التفاعل اليومي من قبل المبتكرين الذي تشهده مبادرة المليون ريال عماني التي أطلقها الصندوق العماني للتكنولوجيا للاستثمار في المجالات التقنية للحد من انتشار كورونا، إلى جانب التزاحم من قبل الشباب العماني المبتكرين من طلبة المدارس والكليات والجامعات والهواة من أصحاب الأفكار الذين يتعرف عليهم المجتمع سنويا في محافل مختلفة مثل جائزة الرؤية لمبادرات الشباب التي تنظمها جريدة الرؤية وبرعاية حصرية من أوكسيدنتال عمان؛ فكل هذه الجهود وغيرها الكثير أثبتت لنا بأنّ السلطنة تزخر بعدد هائل من أصحاب الأفكار والابتكارات الذين يسعون لإبراز ابتكاراتهم بحثا عمّن يأخذ بأيديهم لتفعيلها وتحويل الفكرة إلى منتج أو مؤسسة صغيرة ومتوسطة تقنية يتم دعمها من الجهات المختصة، لتعمل اليوم وتساهم في التنويع الاقتصادي وتكون مصدر دخل لصاحبها.
التحوّل في منظومة الابتكارات التقنية الذي نشهده اليوم في قطاع الأعمال بالسلطنة من خلال الإعلان عن مبادرة المليون ريال عماني التي يتم خلالها الاستثمار في منصات وشركات تخدم الحياة العامة والاقتصاد والأعمال ككل، وهذا يجعلنا اليوم جميعنا نعمل على التعلم المستمر لكيفية التعامل مع هذه التقنيات وآليات تفعيلها واستخدمها كبديل لمواصلة الأعمال عن بعد أو لتفادي توقف الحياة والخروج لقضاء الاحتياجات اليومية أو حتى في التعليم عن بعد والتسوق الإلكتروني والبيع والشراء أو للنقاش لأي أمر طارئ، فكل مجال توجد له منصة أو تقنية بديلة لابد من التفاعل معها لنخرج من أزمة كورونا بتنمية في الاقتصاد المعرفي على الصعيد الشخصي أو العملي أو المؤسساتي.
وما يشهده القطاع التقني اليوم من تعدد في الابتكارات والمنصات الإلكترونية والاستثمارات التقنية التي أعلن عنها الصندوق العماني للتكنولوجيا تعمل الدول على تفعيلها والأخذ بأيدي المبتكرين لتحويل أفكارهم الناشئة إلى إبداعات وواقع ملموس مقدمين لهم كافة سبل الدعم ليصلوا بمنتجاتهم التقنية كأحد الحلول التكنولوجية التي ستضيف ولو الشيء البسيط في المرحلة الحالية للحد من كورونا، فالتحول التقني هو البديل الذي يتم من خلاله العمل على استكمال منظومة الأعمال عن بعد بمختلف القطاعات، بدلا من توقف الاقتصاد والتعليم والحياة بشكل كلي نتيجة لحظر التجوال الكلي أو الجزئي وإيقاف الأعمال بمقر العمل تحقيقا للتباعد الجسدي.