الساحة الأدبية والأنثى

جيهان رافع

أكتب العلياء عنوان وصولك، ولا تدع كرامتك جسرًا لعبورك، فكم من أرواحٍ ارتقت بأحلامها وكم من جسورٍ سقطت في حضيض الوسيلة؟!

انتشرت في الآونة الأخيرة وخاصة على السوشيال ميديا عادة "النسخ واللصق" وإعادة التدوير لبعض النصوص الأدبية أو تغيير بسيط أو طرق تقلل من قيمة الناشر والكاتب بنفس الوقت هذه الطرق غير معلنة، لكنها باتت تنكشف وتتعرّى ولم يسلم من ذلك العبث المقال الصحفي أو المقال الأدبي ولحق بهم السيناريو أيضًا فهل نجد حلًا لهذا التعدي على إبداع البعض؟

وكأن الكاتب لم يكتفِ منه السهر والتعب الفكري والنفسي والجسدي وقلّة العائد المادي الذي يرهقه حتى يأتيه متسلق/ة بطرق ملتوية ويسرق منه روح إبداعه ويتركه من دون رحمة ولا شفقة غارقًا بدماء الحقوق غير المحفوظة ونكران اسمه وجهده، والكارثة الحقيقية عندما يصل الموضوع إلى القيمة المادية والتي هي ربما مصدر لقمة عيش المبدع، فيأتي المستغلون وينهبون أفكاره ويتقاضون الأجر بدلًا عته بكل بساطة ومن دون رادع ضمير.

ومن هنا سنمر أيضًا على كارثة أخرى وهي انتشار عنوان يعزز من افتعال الهوّة السحيقة بين الرجل والمرأة وهو "الأدب الأنثوي" الذي شهد الكثير من فوضى للمشاعر وتدمير لجمالية المشهد الثقافي المشترك، فعند قراءة هذا العنوان يحضرك التناقض بين ما تكتبه المرأة من مشاعر محورها الرجل وبين ما يُذكر من اتهامات بأنها تشنّ حربًا ضده ولا شكّ أنّ هناك من الشاعرات أو الكاتبات استمتعن بهذا الوضع وأسهبن في الانسياق خلفه وتناسين أنّ كل ما يكتبنه وتفيض به مشاعرهن هو من الرجل وإليه، فإذا كتبت المرأة قصيدةً تمجّد بها وحدتها وقلة اكتراثها لفراقه، فهي تبوح بحنين مكبوت لا أكثر، وأن الرجل يبقى سرّ أسرارها الدفينة، فعندما تكتب وطنها تصفه بالرجل، وعندما تكتب ابنها أو زوجها أو حبيبها أو عن أخيها فهي تعود وتعود لتصبّ مشاعرها في نفس البحر الذي غرقت به.

وحين تختار المرأة إجادة الصمت تصبح من المعرضين للتعلق في ذاكرة الأمس ثم ومن دون سابق إصرار تنتقل إلى تفريغ حمولة ذاكرتها وصمتها على الورق لذلك نشاهد الكثير من النساء اللواتي توجهنّ لعالم الكلمة وأبحرن في بحور الشعر من دون اكتراث لمَ يتعرضنّ له من انتقادات أو محاولات إحباطهنّ، فأجادت المرأة فتح النوافذ على مساحات الورق وتعددت محاولاتها لصد العواصف وبغض النظر عن بعض نصوص طرفي الإبداع التي لا تليق بالكلمة، فالكلمة لها قداستها ولها خطورتها أيضًا، وكما قال عبد الرحمن الشرقاوي: "الكلمة نور.. وبعض الكلمات قبو.. وبعض الكلمات قلاع شامخة يعتصم بها النبل البشري".

ومن هنا نعود إلى الضفة قبالة انجراف البعض من الطرفين على حدٍ سواء في نهر التزييف والتسلق على أكتاف الغير للوصول إلى الشهرة، نجد من تكلم فأجاد بث الرسائل الهادفة والمتقنة عبر أثير العطر والمحبة فوصل إلى القلوب من دون جسور متعبة ولا وسائط نقل هشّة والشاهد الجميل فيما كتب البعض مثل غادة السمّان: "لأننا نتقن الصمت حمّلونا وزر النوايا".

وقالت جوخة الحارثية عن بطلة روايتها سيدات القمر: ميّا التي صمتت طوال الرواية أصرّت بعناد على تسمية ابنتها لندن، على اعتبار لندن الفردوس المفقود الذي لم تستطع امتلاكه ولو للحظة واحدة.

ومما قالته فيرجينيا وولف: "كل شخص يضمر ماضيه كأوراق كتاب حفظه عن ظهر قلب".

تعددت النوافذ وبيت الصمت واحد، وبدايات الرحلة مع الكتابة تغفر للجميع، لكن القمم لا تغفر للذين آثروا الوصول إليها من دون جهد ونضال.

في البداية ينتقل الكاتب من نافذة إلى أخرى حتى يجد ضالته، وبالطبع إذا وجدها سيشرّع لنفسه تحويلها إلى مفتاح يستطيع فتح كل الأبواب به ومن دون حاجة لأحد، ومن هنا ينطلق على جناحي الكلمة ليحلّق فوق كل الأسوار التي شُيّدت في وجهه ويتغلب على ضعفه أمام الحياة؛ فالروح هي لغة لا يكتب بها سوى من جعل من زمن الكتابة ولادة جديدة ورسالة سامية من أجل بناء جيلًا صالحًا.

ولا بد لنا من الثناء على كل رجل يصنع لأنثاه أجنحة قويّة ويكون سندًا لها لا حملًا ثقيلًا عليها، لأنّها الأم التي "إذا أعددتها أعددت شعبًا طيب الأعراق" كما قال حافظ ابراهيم.

 

فكل يوم والكتاب رجل والكلمة أنثى تشتعل معانيها على سطوره.