أنفقوا لكي تتقدموا

 

جابر حسين العماني

Jaber.alomani14@gmail.com

 

عندما يواجه المجتمع التحديات الكبيرة، لابد لأفراده من التصدي لها بالحكمة والفطنة والدراية والخبرة الواسعة، بعزم وقوة وإرادة، وعندما لا يبالي أفراد المجتمع بخطر التحديات والمشكلات التي تواجه المجتمع فهم يحكمون على أنفسهم وعلى مجتمعهم بالتخلف والدمار والهلاك الذي لامفر منه.

 إنَّ التقاعس والتخاذل عن المشاركة في حل المشكلات والمعوقات الاجتماعية وعدم العمل على تسهيلها وتذليلها من قبل أبناء المجتمع يعني انتشارها وتفاقمها بين أركان المجتمع، فمن أهم الموارد الضرورية لحل الكثير من المشكلات والمعوقات هو إنفاق المال.

الإنفاق يعني البذل والعطاء والجود بما تجود به النفس من أجل حماية المجتمع والإقلال من أزماته وأضراره في سبيل نجاحه وازدهاره وإخراجه مما يعانيه من أزمات، وذلك ببذل المال والوقت والفكر والجد والاجتهاد قال تعالى: (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة).

 إن المتأمل في هذه الآية الكريمة في سورة البقرة في الآية 135، يعلم يقينا أن الله تعالى ربط بشكل واضح وصريح بين الإنفاق وإلقاء النفس إلى التهلكة، فبدون الإنفاق ستتفاقم المشكلات حتماً، ويحل الهلاك في المجتمع، وبالإنفاق تحل وتتذلل الكثير من الصعوبات والمنغصات والمشكلات في الداخل الاجتماعي، وهنا لابد من ضرورة تشجيع ثقافة الإنفاق في سبيل الله بهدف حماية وازدهار المجتمع وأفراده.

ينبغي أن نوجه أصابع العتب على بعض أبناء الوطن، القادرين على المساهمة الفاعلة بالإنفاق لتخفيف الأعباء والمحن التي أصيب بها الوطن، ولكن مع كل الأسف لا نجد لهم أثرا يذكر، فهم تخلوا تمامًا عن مسؤولياتهم وواجباتهم الوطنية والاجتماعية تجاه مجتمعاتهم معتمدين فقط على ما تقوم به الدولة ومن فيها من مسؤولين ومختصين، متناسين دورهم وواجباتهم الوطنية تجاه وطنهم ومجتمعهم فتراهم يبخلون بإنفاق المال والفكر والجهد والاجتهاد لدفع الضرر عن مجتمعهم ووطنهم الذي بفضله وبركاته وصلوا إلى المكانة الكبيرة التي هم فيها الآن .

إن من أعظم الحلول التي لابد أن نؤمن بها بل وأفضلها على الإطلاق في مواجهة الأزمات الوطنية والمجتمعية هو إنفاق المال بوفاء وإخلاص وتفانٍ، نقلا عن العالم الكبير والمرجع الشهير السيد محمد مهدي الحسيني رحمه الله في كتابه (أنفقوا لكي تتقدموا) قصة ذلك التاجر الذي عندما مرض واشتد مرضه وحانت منيته طلب من أولاده الدفتر الذي فيه حساباته، ولما قدموا له دفتر الحسابات أحرقه وجعله رمادا وهو الدفتر الذي سجلت فيه أسماء الذين استدانوا منه المال، قيل له: لما فعلت ذلك؟ قال: حتى لايطالب أحد الغرماء بعد موتي، إنَّ الله سبحانه وتعالى  منَّ علي بالمال والعمر وكل شيء أريده من هذه الحياة، فلماذا يبتلى بي بعد موتي المدينون؟ هذا التاجر الكريم الوفي سامح المديونين وأكرمهم بإعفائهم عن دفع ما عليهم من أموال مُراعاة لهم ولأزماتهم الأسرية والاجتماعية .

ما أجمل أن يساهم الإنسان في حل معاناة الناس عبر الإنفاق ببذل المال بكل إخلاص ووفاء وتفانٍ، فهناك الكثير من بيوتات الفقراء والمحتاجين الذين انقطعت أرزاقهم في زمان كورونا فمانحن فاعلون تجاه أزماتهم التي أصبحت وأمست تتفاقم بشكل ملحوظ في المجتمع، لابد من تحمل المسؤولية الاجتماعية والوطنية تجاه هذه الشريحة الاجتماعية الضعيفة والمحتاجة، كلنا يعلم يقيناً أن من يمكنه أن يساهم بشكل أفضل وأجمل وأكمل في رفع معاناتهم وأضرارهم، وتجاوز أزماتهم ومشكلاتهم هم(التجار)  بالدرجة الأولى قال تعالى  ﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 215].

 إنَّ الإنفاق في سبيل الله تعالى يُعد من أفضل أبواب الخير وأنفعها وأبركها، فعندما ينفق الإنسان في سبيل الله يرفع الله شأنه ويُعلي مكانته، ويجعله في سعادة واطمئنان بل ويجعل من ماله في نمو وزيادة مستمرة قال الحق تعالى:( مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) البقرة ـ 261، وقال تعالى :(لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون)، وورد عن الامام موسى بن جعفر وهو حفيد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: "أتى رجل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أيّ الناس أفضلهم إيمانا؟ فقال: أبسطهم كفّاً" وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "ثلاثة تستغفر لهم السماوات والأرض، والملائكة، والليل والنهار: العلماء والمتعلمون والأسخياء "

أخيراً على أفراد المجتمع من العلماء والمتعلمين الأسخياء العمل يدا بيد في سبيل خدمة الوطن وأبنائه من خلال نشر ثقافة الإنفاق والعطاء وتطبيقها بجد وإخلاص ووفاء في المجتمع.