الإبل السائبة.. دماء على الطريق وأرواح تصعد للسماء

◄ "البلديات": تركيب 70 عمود إنارة قريبا.. وجهود لوضع سياج على جانبي الطريق

◄ 27 عزبة تضم عددًا من الإبل بالقرب من شارع سيح الرحمات

◄ يونس الجهوري: نفقد أحباءنا بسبب الإبل السائبة.. وعلى الجهات المعنية التدخل العاجل

◄ سالم الجهوري: نداء استغاثة للجهات الحكومية بمحاسبة ملاك الإبل

◄ ناصر الجهوري: تركيب شرائح إلكترونية لترقيم الإبل وسيلة للحد من الحوادث

 

"سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ"... بهذه الآية الكريمة يبدأ سائق المركبة رحلته عند ذهابه وعودته إلى قرى وادي الجهاور عبر شارع "سيح الرحمات" بولاية السويق في محافظة شمال الباطنة، والذي يصفه مستخدموه بأنّه من أخطر الطرق في الولاية، لما يشهده من حوادث أليمة سببها "الأبل السائبة". وسجلت الولاية وفق معلومات حصلت عليها "الرؤية" 16 حادثا بسبب الإبل السائبة منذ بداية عام 2019 إلى الآن؛ منها 13 حادثا وقعت في سيح الرحمات ونتجت عنها حالة وفاة واحدة، وعدد من الإصابات المختلفة، ويخشى أهالي وادي الجهاور عبور هذا الطريق؛ إذ يعتبرون ذلك "مغامرة" يعيشها السائق وتحديدا خلال فترة المساء؛ حيث يفتقر الطريق لأهم معايير السلامة وهي الإنارة.

ويؤكد عدد من أهالي المنطقة في تصريحات لـ"الرؤية" أنّهم طرقوا أبواب مختلف الجهات الحكومية لتوصيل معاناتهم منذ سنوات لحمايتهم من "الإبل السائبة" والتي سببها "العزب" المصطفة على بعد أمتار عن الطريق العام وتشكل خطرا مميتا، تسبب في ترمل النساء وتيتم الأطفال وغيرها من النوائب. ويطالب الأهالي وزارة البلديات الإقليمية وموارد المياه ووزارة الزراعة والثروة السمكية ووزارة الإسكان ووزارة الشؤون الرياضية ومكتب والي السويق، بالإسراع في إيجاد حل ناجع لحماية الأرواح صون الثروة الحيوانية كذلك.

 

الرؤية- أحمد الجهوري

وزارة البلديات الإقليمية وموارد المياه من جهتها تؤكد حرصها على اتخاذ ما يلزم من إجراءات للحد من الحوادث والتي تسببها "الحيوانات السائبة" والتي أدّت إلى زهق الأرواح، ويقول المهندس سليمان السنيدي مدير عام المديرية العامة للبلديات الإقليمية وموارد المياه بمحافظة شمال الباطنة إنّ شارع سيح الرحمات يعد من أهم الشوارع التي تركز عليها المديرية في الوقت الحالي، وذلك لكثرة الحوادث المسجلة فيه، مع وجود 27 عزبة تتواجد في الميدان العام للهجن التابع لوزارة الشؤون الرياضية. ويضيف أنّ المديرية ستعمل خلال الفترة القريبة المقبلة على إنارة الطريق بعدد 70 عمود إنارة، إضافة إلى دراسة مقترح بتركيب سياج على جانبي الطريق وتحديدا في المناطق التي تتمركز فيها مواقع العزب، وذلك بجهود أهلية والقطاع الخاص.

سليمان السنيدي.jpg
 

ويبيّن أنّ المديرية عكفت على وضع هدف أساسي تسعى لتحقيقه بالتعاون من المؤسسات الحكومية الأخرى والمجتمع وهو "صفر حوادث" مرور بسبب الحيوانات، ولتحقيق ذلك الهدف تم وضع خطة عمل تتضمن حملة للحد من انتشار الحيوانات السائبة. ويضيف أنّه تمّ الاجتماع مع المؤسسات الحكومية ذات العلاقة الأسبوع الماضي ومخاطبة ولاة الولايات والمجلس المجلس البلدي لوضع آليات وطريقة عمل لتحقيق هذه الحملة، على أن تختص وزارة الزراعة والثروة السمكية بتسجيل الحيوانات وملكياتها وكل ما يختص بها ومخاطبة وزارة الإسكان فيما يتعلق بالحظائر، والإبلاغ عن المخالفين بالتنسيق مع شرطة عمان السلطانية. وقال إنّ دور وزارة الإسكان يتمثل في تحديد مخططات العزب، أمّا وزارة النقل فستكون مسؤولة عن تنفيذ الطرق وضرورة الإسراع في معالجة الطرق التي توجد في أماكن الرعي والتي لا يوجد عليها سياج.

ويمضي السنيدي قائلا إنّه تمت زيارة العزب ومناقشة إشراك أصحاب العزب في فرق العمل للحد من هذه الظاهرة، إضافة إلى تفعيل أرقام خدمة "هات علومك" لاستقبال أي بلاغ عبر تطبيق "واتساب" عن أي منطقة تتواجد بها حيوانات سائبة على الرقم المخصص لبلدية السويق وهو 97736719، كما تم تخصيص أماكن لحجز الحيوانات السائبة إلى أن يتم تحويل موضوعها إلى الادعاء العام.

لمن نتجه؟

"رحمة الله عليك يا سعيد".. هكذا يبدأ يونس الجهوري حديثه متأسفا على وفاة أخيه والذي انتقل إلى جوار ربه قبل أقل من عام بسبب دهس إبل سائبة في سيح الرحمات، مناشدا الجهات المعنية بإيجاد الحلول السريعة لإيقاف نزيف الدماء والمعاناة الناتجة من حوادث هذا الطريق، مضيفا: لسنا ضد هذه الحيوانات وتربيتها والاعتناء بها فهي بمثابة منافع للناس، ولكن على ألا تخرج هذه المنفعة إلى ضرر الناس وزهق أرواحهم، بحيث يجب أن يخصص لها أماكن بعيدة عن الطرقات والأحياء السكنية، فليس من المنطق ما نراه يوميا من تواجد "الإبل السائبة" على جوانب طريق سيح الرحمات والذي يربط قرية الخضراء بقرى وادي الجهاور حيث عندما تمر من خلاله تشعر وكأنّك تمر وسط حديقة خصصت فعلا للأبل بأنواعها وأحجامها.

يونس الجهوري.jpg
 

ويوضح الجهوري أنه لم يترك طريقا أو وسيلة أو بابا إلا وطرقه؛ حيث التقى سعادة والي السويق، وتم تقديم جملة من الشكاوى إلى بلدية السويق، وللأسف لم نجد هناك أي تجاوب ولا نعرف لماذا لا يتم تطبيق القوانين في هذه المنطقة بالتحديد، مستشهدا بقول الشاعر: "لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي".

ويتابع الجهوري بقوله: إلى أين ومن نتجه؟ ألم يئن الأوان لإيقاف هذه المجازر والتي كنت أحد المتضررين منها بفقد أخي على هذا الطريق بحادث مأساوي وهو في 37 من عمره، مخلفا وراءه ثلاثة أطفال وامرأة أصبحت أرملة تعتني بأطفالها اليتامى والذي من الصعب أن تستقيم حياتهم بدون أب يراعهم. ويؤكد الجهوري أنّ الحوادث لها آثار مختلفة ينتج عن البعض منها وفيات والبعض الآخر إصابات وإعاقات مزمنة، علاوة على الخسائر الأخرى سواء في تقديم العلاج بالمراكز الصحية والمستشفيات أو غيرها من التكاليف. ويطالب الجهوري وزارة البلديات الإقليمية وموارد المياه بالتدخل لإيجاد الحلول السريعة والتعاون مع الجهات الأخرى في الولاية للحد من هذه تواجد الإبل السائبة على طرقات السلطنة بشكل عام والولاية في سيح الرحمات بشكل خاص.

شارع المعاناة

أمّا سالم بن راشد الجهوري فيقول إنّ ظاهرة الحيوانات السائبة وخاصة الإبل في الطرقات العامة أصبحت قضية رأي عام، وحديث يؤرق هاجس عابري الطريق وأسرهم التي تنتظرهم في كل رحلة يعبرون خلالها منطقة سيح الرحمات تحديدا، ولذلك نوجه نداء استغاثة للجهات الحكومية في ظل اللامبالاة من قبل ملاك هذه الإبل الذين تركوها تهيم في الطرقات العامة وبين الأحياء السكنية. ويرى الجهوري أنّ هذه الظاهرة المميتة ألقت بظلالها على المجتمع بأسره؛ حيث إنّ أغلب أهالي المنطقة واجهوا مشكلات ومواقف مع هذه الإبل السائبة؛ حيث ظلت الفواجع مستمرة والحوادث مؤلمة والإصابات والعاهات بالغة، مع تقاعس الجهات المعنية لاتخاذ الإجراءات الحازمة والصارمة تجاه ملاك الإبل السائبة.

سالم الجهوري.jpg
 

ويضيف سالم: "سأتحدث عن طريق وادي الجهاور الممتد من الخضراء بولاية السويق وحتى قرى وادي الجهاور بحكم أننا نعيش معاناة مستمرة بسبب تلك الأبل السائبة لوجود عزب قريبة من الشارع بأمتار قليلة، والتي حصلت على تصاريح لإقامتها!! وهذا ما يدفعنا للاستغراب والاستعجاب بأي معايير وشروط تم منح تصاريح للعزب بقرب من شارع حيوي، ويخدم مجموعة من القرى". ويبين أن حوادث مؤلمة وقعت على طريق الوادي والسبب الإبل السائبة، والتي تسببت في إغلاق بيوت وتوشحت بلباس الحزن والأسى، والبعض أصيب بإصابات تسببت في العجز، مضيفا "فبالأمس القريب ودعنا ابن عم عزيز علينا في ريعان شبابه مخلفا وراءه أسرة وأيتاما، ناهيك عن الحزن الدفين وحجم المأساة التي تعيشها الأسرة من فقدان عزيزها ومعيلها الوحيد". ويؤكد الجهوري أنّ هناك شكاوى مستمرة لدى الجهات المختصة بالولاية مثل مكتب الوالي والبلدية والشرطة، فضلا عن مناشدات متكررة عبر منصات التواصل الاجتماعي لاتخاذ التدابير اللازمة لحماية أرواح الناس من تلك الإبل السائبة والتي لم يتخذ فيها قرار واضح إلى الآن.

ويرى الجهوري أنّ القضاء على تلك الظاهرة من جذورها أمر يمكن تحقيقه، كما إنّ التشريعات والأنظمة موجودة، لكن يظل عدم التزام كثير من الجهات بواجباتها ومسؤولياتها يمثل العائق في إنهاء هذه الأزمة، داعيا إلى ضرورة الإسراع في اتخاذ إجراءات صارمة ورادعة لكل من تسوّل نفسه ترك الحيوانات في الطرقات العامة وبين الأحياء السكنية، مقترحا مضاعفة الغرامة وزيادة عقوبة سجن المخالفين، أو تخصيص أماكن رعي مُسيجة في كل ولاية بعيدة عن الطرق العامة، فضلا عن محاسبة المقصرين في مهامهم.

مخططات العزب

ناصر الجهوري أحد سكان المنطقة يشكو كذلك من خطورة الوضع، ويقول: يعلم جميع الأهالي في الولاية مدى خطورة هذا الشارع بسبب تواجد الإبل السائبة، وقد كثرت الأسئلة على شاكلة: لماذا إلى الآن لم يتم إيجاد حل لها؟! وكيف سمح بإقامة العزب بجوانب الطريق؟ ومن المسؤول عن ذلك عن منح أراضي للعزب هل هي وزارة الإسكان التي تمنح العزب بتوصية من وزارة الزراعة والثروة السمكية وتشجيع من وزارة الشؤون الرياضية ومكتب الوالي؟

ناصر الجهوري.jpg
 

ويضيف أنّ الأمر بات محيرا ومتشابكا؛ حيث يتم توزيع مخططات العزب على شارع حيوي لا توجد به إنارة، كما لا يوجد وسيلة للتعرف على مالك الإبل عند وقوع حادث، وغالبا ما يخفي ملاك الإبل ملكيّتهم لها، هربا من المساءلة والتعويض. ويقترح الجهوري استخدام التقنيات الحديثة مثل تركيب شرائح إلكترونية لترقيم الإبل على غرار ما تقوم به دول أخرى، ومن ثم تطبيق القانون على المخالفين.

تعليق عبر الفيس بوك