التوترات الراهنة تنذر بمسار تصادمي بين القوتين العظميين

العلاقات الصينية الأمريكية.. ماضٍ خطير وحاضر غير مؤكد

ترجمة - رنا عبد الحكيم

يناقش الأكاديمي والكاتب السياسي الأمريكي روبرت ج. سوتر في كتاب "العلاقات الصينية الأمريكية.. الماضي الخطير والحاضر غير المؤكد" أكثر العلاقات توترًا في العالم؛ حيث ثمّة تحديات خطيرة في عهد الرئيسين دونالد ترامب وشي جين بينغ، ويبرز كلا الزعيمين مصالحهما الوطنية في خطر دفع علاقتهما الثنائية نحو مسار تصادم بشأن التجارة والأمن البحري والملكية الفكرية وتايوان وقضايا أخرى.

وأصبح معظم المراقبين للعلاقات الصينية الأمريكية متشائمين مع استمرار التوترات بين البلدين في الارتفاع في عهد ترامب-شي. ويعتقد الناس بشكل متزايد أنّ البلدين قد لا يكونان قادرين على تجنب ما يسمى "فخ ثيوسيديدس" وهو الصراع الهيكلي المرتبط بانتقال السلطة في النظام الدولي. لكن قلة من النّاس لديهم فهم شامل لهذه العلاقة المعقدة من منظور تاريخي.

وحسب استعراض للكتاب نشرته جامعة كولومبيا البريطانية، يتعمق سوتر في ماضي علاقة الولايات المتحدة والصين ويقدم منظورًا ثاقبا حول تعقيد العلاقة، إضافة إلى توقع مسارها المستقبلي. ويحتوي الكتاب على 12 فصلا، ويسلّط الفصل الأول الضوء على التحدي الرئيسي الذي يواجه القوتين وهو كيفية تحقيق التوازن بين مصالحهم وقيمهم المتقاربة والمتباعدة. وتبحث الفصول من 2 إلى 7 في التطور التاريخي للعلاقة أثناء محاولة تمييز الأنماط التاريخية والمحددات ذات الصلة بالعلاقة اليوم. وتدرس الفصول من 8 إلى 11 أربعة جوانب رئيسية للعلاقة الثنائية: الأمن، والمسائل الاقتصادية والبيئية، والنزاعات البحرية بين تايوان وشرق آسيا، وحقوق الإنسان، والتي يصعب إدارتها نظرًا لمصالح البلدين المتضاربة. ويقدم الفصل 12 نظرة مستقبلية للعلاقة مع قيام ترامب بتجديد السياسة الخارجية للولايات المتحدة ويصبح شي أكثر حزماً في الداخل والخارج.

والغرض من الكتاب هو نقل "منظور صانعي السياسات والمتخصصين ذوي الخبرة من كلا الجانبين" الذين يفهمون أنّ التقدم أو الانتكاسات المتصورة في العلاقات الصينية الأمريكية لا تنطوي إلا على جزء من العلاقة متعددة الجوانب. ويسعى الكتاب لدراسة العلاقة المعقدة "في سياق متوازن". ويستخدم المؤلف أساليب التحليل السياقي لتقييم المحددات التاريخية والمعاصرة الرئيسية التي تشرح الوضع غير المؤكد السائد في العلاقات الأمريكية الصينية المعاصرة.

وأحد هذه العوامل المحددة هو اختلاف المصالح والقيم بين البلدين. على سبيل المثال، يناقش سوتر مبدأ الاستثنائية في كل من الولايات المتحدة والصين وكيف يقود صانعي السياسة على كلا الجانبين إلى لوم الآخر على جميع المشاكل في العلاقة. ففي الولايات المتحدة، يدفع الاستثناء الأمريكي صانعي السياسة، مدعومين بالرأي العام، إلى رؤية أفعالهم بعبارات صحيحة أخلاقياً بينما يميلون إلى التقليل من شأن أو تجاهل أي آثار سلبية لأفعالهم على المصالح الصينية. ومن ناحية أخرى، فإن الاستثنائية الصينية، إلى جانب "عقلية الضحية" التي ترعاها الدولة، تغذي وجهة النظر القائلة إن الصين دائمًا صحيحة أخلاقياً في قراراتها الخارجية. ومن الواضح أنّ الاستثناء على كلا الجانبين يحد من قدرة القادة والنخب الوطنية على أخذ مصالح الطرف الآخر في الاعتبار.

وبرع سوتر في تأريخ العلاقات الأمريكية الصينية من القرن السابق للحرب العالمية الثانية حتى الوقت الراهن. وأدّى الاهتمام الأمريكي القوي بالوصول التجاري والاستراتيجي إلى الصين إلى النخب الأمريكية المبكرة للتأكيد على السمات الإيجابية لسياسة الولايات المتحدة تجاه الصين، مثل دعم سيادة الصين ووحدة أراضيها وتعزيز محو الأمية والتعليم في الريف الصيني مع تجاهل السمات السلبية مثل قانون الإقصاء الصيني العنصري لعام 1882.

ويتتبع سوتر تحول العلاقة من الحرب العالمية الثانية والحرب الأهلية الصينية إلى الحرب الباردة. وعلى الرغم من التغييرات الهائلة في السياسة الداخلية والبيئة الدولية، تظل بعض السمات في العلاقة دون تغيير، وعلى وجه الخصوص، نية الولايات المتحدة لتشكيل التنمية المستقبلية للصين والحفاظ على وجود مهيمن في آسيا، وأولوية الصين بشأن الاستقرار والنمو في الداخل.

والواقع أنّ إحدى المصالح الرئيسية للصين تتمثل في تعزيز الأمن في الداخل والتركيز على النمو المحلي. ومن وجهة نظر سوتر، في ظل الظروف القاسية فقط، من المحتمل نشوء صراع عسكري بين البلدين، ولكن من المرجح أن يواصل صانعو السياسة والاستراتيجيون الصينيون "الجهود والتعديلات الإضافية" من أجل التغلب على العقبات القائمة والمستقبلية في سعيهم إلى تحسين التأثير الصيني، والمصالح. وفي المستقبل القريب، من غير المحتمل أن تكون الصين في وضع يمكنها من تحدي ومواجهة الولايات المتحدة في آسيا، ناهيك عن العالم.

ويمكن القول إنّ الوصف الأساسي للكتاب هو "نظريات العلاقات الدولية"؛ إذ يطرح سوتر اقتراحا بأنه لا يمكن تفسير العلاقات متعددة الأبعاد بين الولايات المتحدة والصين من خلال أي نظرية علاقات دولية مفردة. وبدلاً من ذلك، يمكن فهم الجوانب المختلفة للعلاقة بشكل أفضل بنظريات مختلفة. فعلى سبيل المثال، يبرز تعميق المنافسة الاستراتيجية والمعضلة الأمنية الهائلة بين البلدين القوى والظواهر التي يمكن فهمها بشكل أفضل من خلال رؤية واقعية. وفي هذه الأثناء، يبدو أن ضغط أمريكا على التجارة والاستثمار المفتوحين، وتعميق ارتباطها بالصين على جميع المستويات، والتعاون الصيني الأمريكي في القضايا الإقليمية والعالمية، يمثل أفضل تقييم من منظور ليبرالي. والدافع التبشيري الأمريكي لتشكيل سياسات وممارسات الصين وتحويل الصين إلى دولة "شبيه لنا"، ومقاومة الصين للضغوط السياسية والدبلوماسية الأمريكية، كل ذلك يوضح فجوة أساسية في الهوية والقيم الوطنية بين البلدين، والتي يمكن أن تكون أفضل تقييمها من قبل البنائية.

وبشكل عام، تحليل سوتر للعلاقة رصين ومتوازن وملاحظاته تخترق التاريخ وتبصر المستقبل. ويقدم الكتاب مساهمة مفيدة جدًا لفهم هذه العلاقة المهمة والصعبة بشكل حيوي من خلال التعلم من ماضيها المضطرب.

تعليق عبر الفيس بوك