التدخل المبكر .. ضرورة واجبة

علي النعماني

تُعد مرحلة الطفولة المُبكرة من أهم مراحل النمو والتي تُشّكل شخصية الفرد مستقبلاً، فهي الأساس الذي تُبنى عليه الخصائص والسمات المُميزة للفرد واللَّبنة التي يمكن تطويعها وتطويرها من أجل رسم مُستقبل أفضل للطفولة، ويهتم علماء التطور والنمو أيَّما اهتمام بهذه المرحلة المهمة من مراحل النمو التطورية، تتم دراستها دراسة متأنية وإيجاد كل ما يعيق تقدمها وتطورها من أجل مُعالجة بعض الإشكالات التي قد تظهر بها، وتكيف السبل والأساليب الناجعة لتقويمها.

وغالبًا ما تظهر الأمراض والاضطرابات والمتلازمات والإعاقات على اختلافها في مرحلة الطفولة المُبكرة؛ الأمر الذي يستوجب من الجميع التدخل المبكر لتفادي المشاكل المعقدة التي ستظهر على الأطفال لاحقًا إذا لم يتم هذا التدخل، وتسعى الدول لإيجاد مراكز وبرامج خاصة تهدف لإخضاع الأطفال في سن مبكرة جدا في حال ظهور إحدى المشكلات المعروفة عليهم.

في إحدى حلقات برنامج دروب مشرقة الذي يُبث على إذاعة سلطنة عُمان والذي أتشرف بإعداده وتقديمه، استضفت المكرمة صباح البهلاني عضو مجلس الدولة ورئيسة جمعية التدخل المبكر للحديث عن هذا الموضوع المهم، حيث أوضحت المكرمة معنى مفهوم التدخل المبكر وهو إيجاد الحلول التي تحد من مشكلة تحدث للطفل في بداية سنواته الأولى وتنقسم مجالاته للجوانب الصحية والتربوية والاجتماعية ويهدف بالدرجة الأولى إلى محاولة التغلب أو التقليل من آثار الإشكالية لتجنب ما سيترتب عليه وضع الطفل لاحقاً ومن مبدأ معالجة المشكلة أثناء ظهورها قبل تفاقمها، كما تطرقنا أثناء الحوار للخدمات التي تقدمها الجمعية ومحاور عدة، سألتها أيضا عن الحالات التي ترد للجمعية فأجابت بأنَّ هناك حالات كثيرة تصلنا للجمعية بالتنسيق مع المستشفى السلطاني ومستشفى خولة وجهات أخرى، وعن الحالات التي ترد للجمعية ذكرت المكرمة أن ثمة حالات ترد إلى الجمعية مثل متلازمة دوان، الشلل الدماغي، التوحد، الأمراض الوراثية، الإعاقات الحركية والتشوه الخلقي. كما أشارت في اللقاء إلى المبنى الجديد الذي تفضل به سابقاً السلطان قابوس طيب الله ثراه وأسكنه جناته وأمر بتشييده للجمعية في مرتفعات المطار.

نعاود القول مجدداً بأن الأمر جدا مهم في إنشاء مراكز خاصة في مختلف المحافظات أو حتى برامج ضمن مراكز التأهيل تعطي خدمات التدخل المبكر لكل الفئات التي هي بحاجة ملحة للتدخل مبكرا، وهذا الأمر حتما سيوفر عبئا كبيرا مستقبلا على الحكومة وعلى الأسر على حد سواء، ولو أخذنا اضطراب طيف التوحد كمثال فإنَّ دراسات عديدة أوضحت فاعلية التدخل المبكر للأطفال المصابين به وبشكل كبير وفعال، كون أن التوحد يظهر في الثلاث سنوات الأولى وبإمكان أن يتحسن الطفل في حال إدراجه ضمن برنامج التدخل المبكر، هذا لو علمنا أنَّ السمات الرئيسية لهذا الاضطراب هي ضعف في التفاعل الاجتماعي والتواصل بكافة أشكاله مع وجود حركات نمطية ملازمة للطفل، يتحسن الطفل حسب درجة التوحد لديه شيئًا فشيئًا، مع إجراء أساليب التدخل المبكر وتدريب الأسر على التعامل معه وهذا لا يتأتى إلا بتكاتف المجتمع والجهات المختصة مع الأسر للأخذ بهم قدما نحو مستقبل أفضل لأبنائهم.