الثقة بين أمريكا والصين تنهار لأدنى مستوى في 4 عقود

"إيكونوميست": الحرب السيبرانية.. ساحة قتال جديدة بين بكين وواشنطن للحصول على "لقاح كورونا"

ترجمة- رنا عبدالحكيم


ذكر تقرير لمجلة ذي إيكونوميست البريطانية أن اقتصادي أمريكا والصين، الأكبر في العالم، والمتشابكين لفترة طويلة من خلال التجارة والاستثمار، يتجهان نحو انفصال جزئي، إذ إنَّ الثقة بين الحكومتين وصلت لأدنى مستوى منذ تطبيع العلاقات في عام 1979، ومع اقتراب انتخابات الرئاسة الأمريكية في نوفمبر المقبل، تتزايد فرص سوء الفهم وسوء التقدير والاستفزاز من كلا الجانبين.

وأشاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالقادة الصينيين في الأيام الأولى من تفشي وباء كورونا، بعد توقيع "المرحلة الأولى" من اتفاق تجاري بينهما لإخماد حرب تجارية اشتعلت بينهما. وأعرب ترامب مرارًا عن إعجابه برئيس الصين شي جين بينغ، حتى أواخر مارس الماضي. لكن في أبريل، وبينما واجه ترامب انتقادات حادة بسبب فشله في احتواء الوباء، تحول إلى مهاجمة الصين، وهي استراتيجية تشير إليها استطلاعات الرأي من الجمهوريين على أنها قد تساعده ضد منافسه الديمقراطي جو بايدن. وفي 3 مايو، أيد مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكية مصطلح "فيروس ووهان"، وغرد أن "الصين لها تاريخ في إلحاق الإصابات المرضية بالعالم"، ويلمح ضمناً بأن السبب وراء جائحة كوفيد 19 "فشل مخبري صيني" في ووهان.

وفي الصين أيضًا، تهدد الحسابات السياسية بتصعيد التوترات، ففي الأيام الأخيرة وصفت وسائل الإعلام الرسمية بومبيو بأنَّه "شرير" و"مجنون" و"عدو مشترك للبشرية"، مما أجج نيران المشاعر القومية. وفي بكين ثمَّة دلائل على أنَّ قادة البلاد يشعرون بالتوتر؛ حيث أفادت خدمة إخبارية يوم 4 مايو أن وكالة أنباء من نخبة تابعة لوزارة أمن الدولة حذرت قادة الصين من خطر الحرب المتزايد مع أمريكا؛ حيث تتحمل البلاد ردة فعل عالمية لم تشهدها منذ "مذبحة" ميدان تيانانمن. وفي 4 مايو، حذر إستراتيجي عسكري صيني متشدد، من أن البعض في الصين حريصون على استغلال لحظة ضعف في أمريكا، وحذر من الاستيلاء على تايوان بالقوة، قائلاً لصحيفة "ساوث تشاينا مورنينج بوست" إن ذلك سيكون "مكلفًا للغاية".

أما عمليات القرصنة التي ترعاها الدولة الصينية فتوجه مخاطر أقل للحكومة والشركات الأمريكية. وتراجعت ممارسات القرصنة بعد إبرام صفقة بين الرئيس شي والرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في عام 2015، لكن تقارير ذكرت أن هذه الأنشطة استؤنفت بعد تولي ترامب منصبه، ومن المتوقع أن تستمر مع تفاقم التوترات. ويمكن أن تكون المعلومات الطبية الحساسة، بما في ذلك العمل على لقاحات "كوفيد 19"، هدفًا للقرصنة. ويمكن لأمريكا بدورها أن تقرر فتح ترسانتها من أدوات القرصنة، مما قد يُؤدي إلى تصعيد الأعمال العدائية السيبرانية إلى مستويات جديدة.

يقول بي دبليو سينجر، وهو متخصص في حرب القرن الحادي والعشرين، استخدام وسائل الإعلام الاجتماعية على غرار الكرملين لنشر الدعاية والتضليل يبدو "كالحرب". يقول سينجر إنَّ الصين تعلمت من روسيا. فهي تنشر دبلوماسييها والجهات الفاعلة في وسائل الإعلام الحكومية لتقول إن القوات المسلحة الأمريكية جلبت الفيروس إلى ووهان. نشرت وكالة أنباء شينخوا، فيديو رسوم متحركة باستخدام شخصيات ليجو لتوضيح جهود أمريكا لإلقاء اللوم على الصين لفشلها في احتواء الفيروس.

وفي بعض الساحات، قد يأخذ الخطاب منحى آخر فظهر ما يسمى الدعوة لقانون "العدالة لضحايا فيروس كورونا"، وهو مشروع برعاية جوش هاولي السيناتور الجمهوري من ولاية ميسوري، وسيسمح للمواطنين والدول بمقاضاة الصين عن الأضرار المتعلقة بكوفيد-19. ونشر هاولي مقالاً افتتاحيًا في صحيفة نيويورك تايمز يقول فيه إنه يجب إلغاء منظمة التجارة العالمية لأنها أضعفت اقتصاد أمريكا ومكنت الصين من النهوض. ويفكر ترامب في اتخاذ إجراءات في عدد قليل من المجالات مثل فرض رسوم جديدة، وفرض عقوبات، ومطالبة الشركات بنقل التصنيع خارج الصين، وأمر صناديق المعاشات الفيدرالية بعدم الاستثمار هناك. ذكرت وسائل الإعلام الإخبارية الفكرة الخيالية، التي طرحتها مصادر في الإدارة، بأنَّ البيت الأبيض كان يفكر في إلغاء جزء من التزامات الدين البالغة 1.1 تريليون دولار للصين، لمُعاقبة الصين على الوباء.

ومن المحتمل أن تنهار محاولة الإدارة لإلقاء اللوم على أحد المختبرات في ووهان لتسببه في تفشي الوباء إذا فشلت في تقديم أدلة. فيما أطلع مسؤولون في بريطانيا وأستراليا الصحف على أن أمريكا لم تشارك أي معلومات استخبارية مقنعة بموجب اتفاقية "العيون الخمسة"، وهي اتفاقية لتبادل المعلومات الاستخباراتية.

لكن من نواحٍ أخرى، كان للخلاف بالفعل خسائر فادحة. في الأمم المتحدة، تعطل قرار يدعو إلى وقف إطلاق النار في النزاعات الإقليمية حول العالم بسبب نزاع بين البلدين حول ما إذا كان ينبغي التحقق من اسم منظمة الصحة العالمية.

ومن المرجح أن تكون تايوان نقطة اشتعال لمزيد من التوترات، إن لم يكن صراعًا مسلحًا. وتدعم أمريكا محاولة الجزيرة المتمتعة بالحكم الذاتي للحصول على صفة مراقب في جمعية الصحة العالمية، وهي هيئة صنع القرار في منظمة الصحة العالمية، حيث من المتوقع إجراء تصويت في وقت لاحق من مايو الجاري. وسمحت الإدارة لنائب وزير الصحة والخدمات الإنسانية بالمشاركة في مؤتمر عن بعد مع نائب رئيس الوزراء التايواني حول استجابة تايوان الناجحة لكوفيد-19. وربما يُفكر ترامب في إرسال مسؤول أكبر إلى العاصمة تايبيه، وهي خطوة سيعتبرها الحزب الشيوعي بمثابة استفزاز.

تعليق عبر الفيس بوك