الدراما والتطبيع!

زين بن حسين الحداد

 

في الوقت الذي يُعاني فيه الشعب الفلسطيني العربي الحر أقسى أنواع القهر والظلم وهو الذي ينتظر وقفة ونصرة الأحرار في العالم، لم يكتفِ العرب بالسكوت والخذلان المعروف وإنما تجاوزوا كل الخطوط الحمراء آخرها الأعمال الدرامية التي تروج للتطبيع باسم التعايش والتسامح مع الأديان، فإذا كان الهدف سامياً كما يقولون لماذا لا يقومون بعمل درامي يصور تعايش الأديان المختلفة على الأرض الفلسطينية قبل الاحتلال وتذكير الناس بأنَّ الأرض عربية محتلة ولابد أن تعود عربية. والحقيقة المُرة أن هذه الأعمال اختراق ثقافي يهدف إلى إعادة صياغة فكر المجتمعات نحو القضية العربية الإسلامية ونزع تلك القيم الدينية والثوابت والأعراف والتقاليد، وهي خطط ثابتة ينتهجها الصهاينة مع اعترافهم بذلك.

خطوة ليست الأولى وإنما سبقتها عدة خطوات تدريجيا وتمهيدا للخذلان الأكبر أهمها تحجيم القضية وتحويلها من قضية عربية إسلامية إلى قضية فلسطينية لا شأن لنا فيها، ونحن نتعامل معها الآن كما يُريد لها العدو والشيطان. ونستغل هذا المقال لتعريف كلمة التطبيع وهي جعل العلاقة العربية الإسرائيلية علاقة طبيعية بل والاعتراف بأحقيتهم بالأراضي المحتلة وهو الوهم الذي لن يتحقق. وبالرغم من انجرار الكثير وسكوت الكثير إلا أنَّ القضية التي مرت بمراحل أصعب من هذه لن تسقط بعون الله وبثقتنا بالمرابطين الأبطال في تلك الأراضي المقدسة. والمشهد يُعيد نفسه مرة أخرى ففي عهد الرسول عليه الصلاة والسلام قام المنافقون بالتواطؤ مع اليهود الخونة واليوم يتكرر المشهد المخزي والعار لكل منافق يتعاطف مع الصهاينة.

وبالرغم من محاولة تشويه الصمود الفلسطيني عن طريق الجيوش الإلكترونية التي لا نعلم مصدرها والتي تحاول تصدر المشهد الشعبي العربي في مواقع التواصل الاجتماعي وعن طريق الأعمال الدرامية التي تدعم وتنشر فرية تنازل الفلسطيني عن أرضه وبيعها بثمن بخس مع أنَّ كل الدلائل تقول عكس ذلك! فالشعب الفلسطيني يعاني مرارة الخذلان منذ 72 عاما ويعيش التضييق في حياته ويرفض بيع أرضه وشرفه مرورا بأكثر من 34 مجزرة تم فيها تشريد أكثر من 5 ملايين فلسطيني وهل يعقل أن يبيع المرء أرضه من أجل أن يعيش مشردا لاجئا في المخيمات! وامتلاء السجون بالأسرى المرابطين، وتلك المقدسية المُسنة التي ترفض ملايين الدولارات من أجل شرفة مطلة على المسجد الأقصى كل هذا دليل آخر على كذب وافتراء من يقول ببيع الأرض العربية.

وفي زمن العجائب أصبح التطبيع حرية رأي ورفض التطبيع جريمة! وربما الإغراء التجاري والاقتصادي هو أكبر الأسلحة التي تساهم في إسراع التنازل العربي، والحذر كل الحذر في التنازل الذي سيتبعه مطالبة بأحقية اليهود في الأراضي العربية الأخرى. ولا بد أن نعلم جميعاً أن أول من سكن الأرض الفلسطينية هم الكنعانيين العرب ودخل اليهود لها تاريخيا كمهاجرين لا أصحاب أرض.

ومن يرى أننا نبالغ فليتذكر تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عندما قال إنَّ "أكبر عقبة لديهم هي الرأي العام العربي"، وهذا ما يثبت أنّ الجدل الموجود حول التطبيع جدل واقعي ولابد من إحياء القضية في قلب وذهن ووعي كل عربي رغم غيابها التام عن المناهج التعليمية العربية وهو الأمر الذي يشكل علامة استفهام.

إنَّ موت القضية فكرياً هو نجاح للخطة الصهيونية. فمتى تخجل تلك الأصوات التي تريد أن نتعايش مع عدو نكل بإخواننا وتفنن بكل أنواع الجرائم وسط سكوت دولي عالمي يبين لنا فظاعة المنظمات الدولية التي قامت لخدمة ومصالح دول معينة؟ وفي نهاية الأمر نؤكد أنّ الحق لا يموت ولا يسقط بالتقادم وأن نصرة هذه القضية فخر وشرف لكل من يقف معها وأسأل الله أن يغفر لنا تقصيرنا وأن يكون مقالنا هذا أقل ما يمكن تقديمه لكل الشرفاء وقضيتهم. "إنَّ الله بالغُ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا".

تعليق عبر الفيس بوك