"رحمة" وصحة الأسنان

د. حارث الحارثي

تذكَّرت موقفًا حدث لي قبل سنوات، عندما أتتني ابنتي "رحمة" فرحة، وهي تحملُ سِنًّا في راحة يدها. أرتني السنَّ، وقالت لي إنها "سقطت من تلقاء نفسها"، وأرتني فمها بفراغ يتوسَّط العقد الجميل من أسنانها البيضاء الصغيرة. أمسكتُ السنَّ وأخبرتها بأن أسنانها جميلة و"خالية من التسوُّس"، وعليها الانتظار قليلا ريثما "ينبت سن جديد" أقوى يحتل تلك المساحة.

تصوَّروا معي لو أنَّ الأسنان التي تنبت في أفواهنا لأول مرة تستمر معنا طول الدهر وإلى أن يتوفانا الله! تكبر الأفواه وتكبر البطون ونستمر في مضغ "طعام الكبار بأسنان الصغار".. سيقول البعض بأنَّ تلك الأسنان الأصلية هي الأفضل وهي الأنسب لأننا "تعودنا عليها" ونريدها "أن تستمر". أتفهَّم تعلق البعض بأسنان "طفولته"، ولكن الأسنان هي ليست أدوات تكميلية غير مهمة، فعليها "أداء وظيفة" وعلى تلك الوظيفة أن تتأقلم مع المظهر الجمالي كذلك؛ فالوجه الذي ينمو سيبدو قبيحا جدا بالأسنان الصغيرة.. أليس كذلك؟

العناية بالأسنان تحتاج إلى دقة وإتقان، لو أهملت رحمة العناية بأسنانها فماذا يحصل؟ .. لو قالت لنفسها إنَّ "الله هو من أعطاها تلك الأسنان" وهو من سيتكفل بالمحافظة عليها؟! تصوروا لو كانت رحمة بدرجة من الغباء بحيث تظن أن أسنانها اللبنية "مؤقتة" ولن تؤثر شيئا، ولتدعها تتسوس؛ فهي في النهاية ستسقط وتأتي "الأسنان الجديدة التي تنتظرها"، والتي سيحين أوان نموها في يوم ما. تُوقن رحمة بأنَّ السن التي تتسوس هي "سن مؤلمة" بغض النظر عن كونها سنا لبنية أم لا.

الأسنان يا أعزائي "تسوس بعضها".. تبدأ بتسويس جارتها أولا ومن ثم جارتها الأخرى، ويبدأ السوس في التغلغل إلى أن يصل إلى "عصب السن". مهما حاول العصب ذاك الاحتماء وتغليف نفسه باللثة أو التمسك بـ"عظام الفك" فإنَّ السوس سينخره أيضا لا محالة.

الأسنان الأولى اللبنية هي الأسوأ تأثرا بالتسوس لأنها "ضعيفة" بطبعها، ولأن السوس عندما ينخرها، يعدي السن النامية تحتها فتبدأ "بالتسوس قبل أن ترى النور"، وتتأسس على منهج وقاعدة لن تستقيم مهما حاول أطباء الأسنان تلميع صورتها الخارجية أو علاج عصبها الميت.

رحمة حافظت واهتمت بأسنانها؛ لذلك "سقطت وهي صحية"، مقدمة فرصة لأسنانها الجديدة أن تبرز من اللثة في بيئة "صحيحة" تشجعها على الوصول إلى كامل قدرتها. عندما ستنبت أسنانها "الدائمة"، فستستمر في الإهتمام والعناية بها والذهاب إلى "طبيب الأسنان" بين كل فينة وحين لـ"تطمئن" بأنها صحيحة، فهي تعلم يقينا أنَّ معرفتها وإدراكها "قد يكون ناقصا"، وأنها رُبما لن تكون الأفضل في "مراقبة والعناية بأسنانها". لن تدعي أنها تعلم "كل شيء" و"لا تحتاج لأحد" فهي ليست إلا "كائن حي" توجد حدود لمعرفتها وقدراتها على المحافظة على أسنانها.

تعليق عبر الفيس بوك