"صالون الأربعاء" يناقش التعاطي الصحفي مع الأوبئة من وجهة نظر علم الأخلاق

 

مسقط- الرؤية

أقام صالون الأربعاء، التابع للجمعية العمانية للكتاب والأدباء بالسلطنة ندوة ثقافية بعنوان "التعاطي الصحفي مع الأوبئة من وجهة نظر علم الأخلاق"، قدمها الاعلامي والباحث في الفلسفة محمد بن رضا اللواتي، مديا دائرة الموارد البشرية في جريدة الرؤية.

وبدأ اللواتي المحور الأول باستعراض دلالات المصطلحات الواردة في العنوان، وهي الصحافة، والوباء، والأخلاق، فذكر تعريفا لمهنة الصحافة، تمثل في نقل الأخبار والمعلومات التي تهم الناس وتتسق مع مصالحهم، بكل أمانة وصدق. وأشار إلى أن الاتجاهات الليبرالية أوردت في هذه الصنعة شرطا اعتبرته جوهريا وهو، حرية التعبير، في حين اكتفى آخرون بتعريفها بالعمل الذي ينشر المعلومات التي تهم الرأي العام. من جانبها، أشارت الموسوعة العربية إلى مهنة الصحافة مهنة غرضها نقل الأحداث التي تقع للناس لكي تساعدهم على تكوين آراء حولها. وخلص اللواتي إلى أن العوامل المشتركة في غالبية التعريفات هي في نقل الحدث أولا، لأجل الناس، سواء لتساعدهم على تكوين آراء حولها، أو تفيدهم في مصالحهم المختلفة، هذا ثانيا، وأخيرا، أن يتم ذلك بكل صدق وأمانة.  

وعرف اللواتي الوباء بالمرض يتسم بالانتشار السريع في رقعة جغرافية معينة، بناء على هذا التعريف يغدو الوباء موضوعا للصحافة من عدة زوايا وهي، تعريفه للناس، ونقل الحوادث المتعلقة به، من قبيل ما قد يحدث بسبب الإصابة به، عدد المصابين، وجود لقاح له أم لا، وأخيرا البُعد التثقيفي للصحافة حوله، من قبيل كيف يمكن تفاديه؟

وعرف اللواتي الأخلاقETHICS  تعريفا لغويا، وهو السجية والعادة التي قد تكون حسنة وقد تكون سيئة، وأكد بأن التعريف اللغوي لا بد من تجاوزه إلى التعريف الاصطلاحي ويتمثل في منظومة من القيم غرضها دفع الانسان لأجل الاتيان بأفعال حسنة واجتناب أفعال سيئة، ويُصطلح عليه بالديونتولوجيا، وهذا المصطلح يتألف من مقطعين هما "ديونتو" ومعناه الواجبات، و"لوجيا" أي العلم، فيصبح المعنى العلم بالواجبات، أو ما يجب فعله.

أكد اللواتي بأنه وبحسب هذا التعريف، يغدو علم الأخلاق ذو علاقة وطيدة بعمل الصحافة خصوصا في موضوع الأوبئة من الزوايا التالية:

أولا: نقل الأحداث التي لها علاقة بمصالح الناس، سواء أكانت مصالح الاستقرار، أو التنمية، أو السياسية، أو غيرها، بصدق وشفافية،  يُعد فعلا ذو قيمة حسنة ويندرج تحت ما يجب فعله. والوباء من الحوادث التي تتعلق بها مصالح الناس، على مستوى الحياة أو الموت، لذا تزداد أهميته بشكل مكثف.

ثانيا: نقل المعلومة التثقيفية المرتبطة بازدياد وتنامي الوعي بالوباء، ومعرفة طرق مواجهته، يندرج أيضا تحت بند الديونتولوجيا، فهو من أشد ما يجب فعله.

وفي المحور الثاني، تطرق الباحث إلى مدرستين تعمقتا في الجذر المانح للأخلاق قيمة، وهما مدرسة مدرسة الفيلسوف البريطاني برنارد راسل، ومدرسة الجذور المعنوية الفوق المادية للأخلاق.

فالمدرسة الأولى، رأت أن الأساس الأخلاقي قائم على دعامة المصلحة الشخصية، ففي كتابه بعنوان المحبة الإنسانية، قرر الفيلسوف راسل بأن المنفعة الفردية هي التي تمنح للأخلاق قيمتها، وهي التي تجعل من الفضيلة فضيلة، ومن الرذيلة رذيلة، ومن الصدق حسنا والكذب سيئا، فالدافع الأساسي الذي يجعل الفرد يمارس الصدق، تتمثل في أن مصلحته الشخصية تتحطم إن شاع الكذب، والذي جعل من السرقة أمر سيء هي نفسها المصلحة الشخصية، لأن السرقة تهدم مصلحة الفرد الشخصية، وتقف في مواجهة الحياة المستقرة التي ينشدها، والمنافع التي يريد الاستفادة منها. فالبقاء الشخصي والمنفعة الشخصية هي المنظور إليها لأجل إقامة الصرح الأخلاقي، أي مبدأ المنفعة الشخصية، وبموجب ذلك، يصبح كل كل ما يخدم مصلحة الفرد فهو حسن ويتمتع بأساس أخلاقي، وكل ما يضر بمصلحته فهو قبيح ولا يتمتع بأساس أخلاقي.

ناقدو راسل، ومنعم الفيلسوف مرتضى المطهري، قالوا بأن فلسفته لا تتطابق مع الشعار الذي رفعه وهو المحبة الإنسانية، لأن المحبة لا تستقيم ولا تتحق في ظل المنافع الشخصية.

المدرسة الأخرى في تفسير علم الأخلاق، والأساس الذي يمنحه قيمة وفضلية، هي التي جعلت من البُعد الميتافيزيقي هو الأساس المانح لها القيمة، فهؤلاء، وجهوا عدة نقودا لوجهة نظر راسل تمثلت في التالي:  

أولا: حب الآخر شعار فضفاض لا حقيقة له في طرح راسل، لأن المحبوب الحقيقي هو "الأنا" و "المنفعة الشخصية" فلماذا أساسا أحب غيري طالما أن المنفعة الشخصية هي أساس تحركاتي؟

ثانيا: إن هذا المبدأ تذروه رياح القوة العظمى بعيدا، فلا مبرر لمن امتلك ترسانة من أسلحة الدمار الشامل أن يراعي مصالح الأخر لبقاء مصالحه الشخصية، لأن القوة التي يمتلكها تكفل له نيل ما يريد. فمبدأ البقاء للأقوى يتسجد في منظمة راسل الأخلاقية بكل وضوح. حاول هذا الأخير الرد على هذه النقطة بقوله أن ضمان عدم تحقق ذلك هو منع توفر جماعة على القوة المطلقة، لذا وجب العمل على اجتثاث أسباب ذلك. لكن ناقدوه يجدون هذا المقترح غير قابل للتنفيذ على وجه الأرض، والامبريالية الامريكية مؤشر شاطع على ذلك.

ثالثا: لماذا يخرج الجندي مضحيا بحياته لأجل الآخرين؟ ما هو الدافع له إلى ذلك إن كانت المصلحة الفردية هي الأساس في منح الأخلاق دعامة ورصيدا قيميا؟ الأرض بالنسبة له غير، والناس بالنسبة له غير، وحتى ذوييه غيره، فلماذا يذهب للتضحية بذاته لأجل ذلك الغير؟ لم يقدم راسل إجابة واضحة عن هذا التساؤل الناقد لنظريته، ما جعل هؤلاء الناقدين يخرجون برؤية مخالفة لتوجيهاته حول المانح للأخلاق قيمة، وهذه الرؤية هي البُعد المعنوي للأخلاق، وأنها تتجاوز خد المصلحة الشخصية إلى أفق روحاني مبهم بنحو غير واعي في عقله.

خلص اللواتي من هذا الاستعراض إلى أن مهنة الصحافة، إن كانت لأجل مصالح الناس، فإن أقامتها على مبدأ المنفععة الشخصية تفسيرا للأخلاق، يجعلها في مهب الريح، ولا يضمن أساس صدقها وشفافيتها، كما لا يشمن بقاءها في ظل غياب المنفعة  المادية. إن مهنة الصحافة في حاجة إلى مبدأ أخلاقي يستند على المعنويات، وليس المصلحة الشخصية، حتى تتمكن من أداء واجباتها وتحقيق أهدافها.  

انتقل اللواتي بعد ذلك إلى المحور الأخير، وهو تقييم دور الصحافة في تغطيتها للجائحة في السلطنة من وجهة نظر المبدأ الأخلاقي الغير نفعي، فتناول خمس أقسام من التغطية، وتمثل القسم الأول منها في الوقائع اليومية، حيث أكد بأن الصحف المحلية بذلت جهدا واضحا في تغطية الحوادث اليومية المتعلقة بالجائحة، تمثلت في ما تصدر من اللجنة العليا المكلفة بموضوع الكورونا من قرارات، وما تستجد من أرقام الاصابات، وعدد حالات الشفاء، وما إلى ذلك. يجب الاعتراف بأن ذلك قد تم رغم أن الصحف قد تم منتع طباعتها، ومع هذا، ظهر نشاط كبير في العالم الافتراضي لها، سواء على مواقعها الالكترونية أو في مواقع التواصل الاجتماعي.

وتمثل القسم الثاني في تقييم التغطيات الصحفية، تناولها لخط الدفاع الأول في مواجهة المرض من أطباء، ورجال الشرطة، وكذلك تناولها لأحوال المعزولين في الحجر المنزلي أو المؤسسي، واستطلاعات حول الوافدين الذين انتشر فيهم الوباء بشكل مكثف.

وقدم اللواتي عدة ملاحظات على هذا الجانب من التغطية الصحفية، وهذه الملاحظات هي:  

  1. لم يتم ذلك بالشكل الذي كان يتمناه الناس، فلقد امتنع العديد من الأطباء من إجراء حوارات صحفية تثقيفية حول الجائحة بناء على توجيهات وزارة الصحة، ولعل الوزارة أرادت أن لا يحدث نوع من الربكة لكثرة المعلومات أو تنوعها أو ربما تصادمها مع بعضها البعض، أو لعل لها وجهة نظر معينة ومقبولة حول ذلك، لكن أدى هذا إلى ابتعاد واختفاء الخط الأول من هؤلاء الأطباء عن الصحافة واحتجابهم بالتالي عن الجماهير.
  2. لم يتم تغطية أوضاع أقسام المستشفيات التي احتضنت المرضى كما كان المطمح، وكيف يتم التعامل اليومي معهم، فلم تجر حوارات مع مديروا المستشفيات، ولم تجري استطلاعات ميدانية مع الكادر الطبي.
  3. لم يتم التواصل مع المعزولين سواء بالحجر المنزل أو المؤسسي، وكيف يتم التعامل معهم، وما برنامجهم اليومي، وكيف تتصرف العائلة بوجود معزول بينهم، ما سمح المجال لبروز قصص قد لا تمت بالواقع عنهم، كما وأن مزيدا من التوعية المجتمعية قد تم تفويت فرصة نشرها بذلك.
  4. بالمستوى الذي كان يطمح إليه المجتمع، لم تقم الصحافة بالاستكتاب في مجال تحفيز حقيقي للأطباء الذين كانوا في مواجهة هذا الفيروس، فما كانت هنالك حزمة من المقالات التي تقوم برفع معنويات هذا الفريق، وتطالب بإعاة النظر في أوضاعهم المالية.
  5. بعدت المستشفيات الخاصة عن أن تلقى عليها الأضواء تجاه دورها في مواجهة المرض، ولم تتوضح خطة وزارة الصحة تجاه هذا الأمر.
  6. لم يتم أيضا اجراء حوارات صحفية متعددة مع المسؤولين في شرطة عمان السطانية، وكيفية قيامها بمهامها، وأبرز التحديات التي واجهتها، ونقل ملاحظات الناس حول أداء رجال الشركة لمهامهم، كما ولم يتم تخصيص مساحات محفزة لأداءهم الميداني، تحت ظل الشمس الحارقة. 
  7. لم تقم الصحافة بتقديم استطلاعات لأوضاع الوافدين الذين كانت الجائحة تفتك بهم بشكل مكثف، ولم تتناول بشكل معمق الأسباب.

القسم الثالث من أنواع التغطية الصحفية للجائحة، المتمثل في التوعية المجتمعية، فلقد أشار اللواتي إلى أن الصحف المحلية قد كثفت جهودها لنشر التوعية المجتمعية تجاه كيفية التعامل مع الجائحة، وكانت هنالك مشاريع مشتركة مع بعض المصارف ومؤسسات القطاع الخاص، ظهرت واضحة في مواقع التواصل الاجتماعي.

وكان القسم الرابع من تغطيات الصحافة المحلية لأخبار الجائحة يتمثل في التقييم قرارات اللجنة العليا، وخلص اللواتي إلى أنه لم يجد استطلاعات أو مقالات تتناول تقييما لقرارات اللجنة العليا، إلا ما يتعلق بضرورة السماح للحياة التجارية أن تعود إلى طبيعتها خوفا من التضرر الاقتصادي المريع، هذا بعد أن طال اغلاق الأسواق، في حين تشكلت قناعة لدى العديد من البؤر الثقافية بأن قرار التعامل التدريجي مع الجائحة قد سمح للمرض بالانتشار والتوسع حتى بلغنا هذه الأرقام، إلا أن الصحافة لم تقم بنقل هذه الرؤى للجنة العليا.

القسم الخامس والذي عده اللواتي الحاسم تمثل في ما ستبذله الصحافة المحلية من جهد تجاه التوعية المجتمعية لمرحلة ما بعد الجائحة أو العودة الى الحياة في ظلها، فهذا الجانب هو الذي يتعلق بمستقبل علاقة الوطن بالمرض، حيث صدرت تنويهات بأن هذا المرض جاء ليبقى، لذا تقع على عاتق الصحافة أن تتحمل مسؤوليتها تجاه هذا الجانب من خلال:

  1. تثقيف المجتمع بخطأ عنوان ما بعد الجائحة، واستبداله ثقافيا بالحياة في ظله، وهنا يأتي دور الثقافة لتتعاون مع الصحافة في بث هذا الوعي وإيجاد هذا التغيير.
  2. تقديم رؤى تتعلق بكيفية المضي قدما نحو العودة إلى الحياة في ظل وجود تهديد هذا المرض، على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي.
  3. الخطوات التي تم أخذها حين المرض، من قبيل تقليل تواجد الموظفين في مواقع عملهم، ومن قبيل ممارسة العمل عن بُعد، وغير من الاجراءات التي تمت خلال الأيام الفائتة، تحتاج هذه كلها إلى تقييم، وأي منها يصلح لأن يبقى طالما أن التهديد بالاصابة قائم.
  4. الحياة المنزلية في ظل ثقافة التعايش مع المرض، وبلورتها بشكل يتوافق مع التحديات الجديدة، وكيف يمكنها أن لا تكون سجنا، أو غربة، أو مللا.
  5. التعليم، وهو التحدي الأكبر دائما وأبدا، وكيف يمكن تقييم مرحلة انتقاله الكترونيا، وكيف يمكن ابقاء جوانبا منه الكترونية أيضا في ظل التعايش مع المرض والتكيف معه.

وخلص اللواتي إلى أن الأيام المقبلة ستضع التزام الصحافة بالمبدأ الأخلاقي فوق النفعي البحت تحت مجهر الاختبار، لترى حجم الاهتمام الذي ستبذله هذه المهنة المؤثرة جدا في توجهات الناس، من خلال ما ستقدمه مما يحتاجه الناس لأجل الانتقال الصحي والايجابي إلى حياة في ظل الجائحة وليس بعدها.

تعليق عبر الفيس بوك