شهادة دكتوراه بالفِطرة‎

 

أنيسة الهوتية

أصبح العالم اليوم لا يعترف بكفاءات البشر، وقدراتهم، ومواهبهم، إلا إذا كانوا من حَمَلة شهادات الدراسات العُليا، خاصة الدكتوراه، أو عِدَّة شهادات دكتوراه في شخص واحد؛ فيبقى هو الأكثر تميزاً من بين المتميزين!

ولم يكبر سوق الدراسات العليا إلا بعد أن فتحت جامعات وكليات خاصة بأسعار ليست في متناول اليد، ومن ثَمَّ وضعت الوظائف والمناصب العُليا ذات الرواتب الباهظة لأصحاب مثل هذه الشهادات؛ فبالتالي كل من يرغب براتب ومنصب ممتاز سيسعى لإكمال دراسته ولو كان بسلفة بنكية، أو برَهْن بيته، أو بالشح على عائلته، أو تأجيل خطة زواجه، أو بأخذ إجازة بدون راتب للسفر للدراسة، أو الاستقالة... وغيرها من قرارات يتخذها الفرد في مسيرة إكمال دراسته العليا ليواكب موجة الثقافة الأكاديمية، ويصل إلى ما يسعى له؛ فبالتالي كل هذه التأجيلات والخسائر برأيه ستعوَّض لاحقاً حين الوصول إلى الهدف.

لكن.. ماذا إذا لم يصل إلى الهدف المنشود؟!

وأيضاً من جانب آخر، هناك دراسة أقل تكلفة وهي بالدراسة عن بُعد؛ فبالتالي لا يضطر الشخص المُجِد هذا إلى أن يستقيل، أو يأخذ إجازة طويلة بلا راتب مما يتعب عائلته التي يعيلها، ولا يؤجل أموراَ حياتية مثل إكمال نصف دينه فيقع في المحظور، ولا يتسلَّف مبالغ كبيرة من البنك لأنه سيوفر هنا قيمة التذاكر، والإقامة، والإعاشة... وغيرها من المصاريف الأخرى، وفي حال أن تكون فتاة فلن تضطر للسفر وتأجيل الكثير من أساسيات الحياة كالزواج، والإنجاب؛ فهي تستطيع عمل كل ذلك وإكمال دراستها عن بعد، خاصة وأن النساء لديهن قدرة خارقة على عمل عدة أشياء في وقت واحد.

للأسف الشديد وزارة التعليم العالي لطالما رفضت مبدأ الدراسة عن بُعد لنيل تلك الشهادات التي تثبت جدارة الفرد في عمله، ولربما ستكون أداة لترقيته أو حصوله على وظيفة أفضل يفجر فيها طاقاته ويبني مستقبله ووطنه، والآن مع أزمة كورونا وإكمال أنشطة الحياة عن بُعد أتمنى أن يكون هناك قرار مستجد بشأن قانون الدراسة عن بُعد، ولطالما نفعت دولًا أخرى.. فلماذا لا تنفعنا!؟

ومن الأمور المُضحِكة أنَّ المواطن الذي ترفض شهادته الأكاديمية لأنها عن بُعد، أو بسبب عدم الاعتراف بالمؤسسة العلمية التي درس بها، يُقابله وافد لديه شهادة من ذات المؤسسة وقد توظَّف بإحدى أكبر الشركات بالسلطنة، ولربما راتبه يعادل راتب وكيل وزارة!!!

وأيضا مع سباق الدراسات العليا، يبقى هناك أناس حَبَاهم الله بنعم كثيرة وكبيرة، لا مقطوعة ولا ممنوعة، تراهم بفطرتهم يمتلكون الحكمة، والعلوم المتعددة، والثقافات المختلفة، واللغات، والدبلوماسية، والعقل، واللسان، والفصاحة، واللباقة، والذكاء، والدهاء، والهيبة، شخصيات مميزة جدا ولكن تنقصهم تلك الشهادات؛ فبالتالي يخسرهم الوطن رغم أنهم جواهر نادرة جدا مثل التي تقع في باطن الأرض ولا يعلم عنها أحد.

وليس كل من لا يمتلك شهادة عُليا يكون غير مُؤهَّل للقيادة، فخالد بن الوليد لم يمتلك دكتوراه عسكرية، وعثمان بن عفان لم يمتلك دكتوراه في التجارة والاقتصاد، وعلي بن أبي طالب لم يمتلك دكتوراه السياسة، وأبوبكر الصديق لم يمتلك دكتوراه في التنمية الاجتماعية، وعمر بن الخطاب لم يمتلك دكتوراه في الإدارة.

ولو كانوا هنا اليوم لما قدَّروهم حق قدرهم؛ لأن العالم أصبح يرى الأوراق المطبوعة والمختومة من المؤسسات العلمية قبل أن يرى كفاءات ومواهب الأشخاص. إلا بعض الدول؛ مثل: روسيا، وإيران، والصين، واليابان، وبريطانيا، وأمريكا يبحثون عن مثل هذه المواهب ويتبنونها ويرقونها للشهادات العليا.

وفي عالمنا اليوم قادة الدول العظمى لا يملكون دكتوراه، وملكة بريطانيا ميكانيكية عسكرية!