نمو المصرفية الإسلامية في ظل "كورونا"

 

 

د. محمد إيمان سسترا ميهجات **

** رئيس الشريعة ببنك عمان العربي

 

 

اليوم، ينتشر Covid-19 في جميع أنحاء العالم ويجلب معه المعاناة الإنسانية. لذلك فإن حجم واستمرار التأثير الاقتصادي الناتج عن تفشي الفيروس أصبح غير معروف. وبما أن الوضع الوبائي يتطور يومًا بعد يوم، فإنه من الأصعب توقع التطورات الاقتصادية، غير أنّه أصبح واضحا أنّ لدى هذا الفيروس القدرة على عرقلة الاقتصاد العالمي، لأنّه يؤدي إلى تعطيل اقتصادي كبير بسبب الحجر الصحي والقيود المفروضة على السفر والإغلاق الكامل أو الإغلاق الجزئي، وإغلاق المصانع، والانخفاض الحاد في العديد من أنشطة قطاع الخدمات. في الوقت الحالي، بدأت العديد من المطاعم والمقاهي تشكو من انخفاض طلب السوق على الأطعمة والمشروبات الفورية، إن هذا الوضع ينطبق أيضا على النمو المصرفي الإسلامي داخل السلطنة.

ولحسن الحظ، عمان هي واحدة من أبطأ الدول في معدلات انتشار Covid-19 في الشرق الأوسط.

 

المصرفية الإسلامية في عمان

بدأت الصناعة المصرفية والتمويل الإسلامي في عمان عملها في أوائل عام 2013 بعد صدور المرسوم السلطاني 69/2012 المؤرخ 6 ديسمبر 2012. وبالرغم من ذلك لا تزال الصناعة في مرحلة الطفولة وليس من السهل على هذه الصناعة الناشئة منافسة نظيرها التقليدي واتباع الشريعة الإسلامية في وقت واحد، حيث إن هذه المؤسسات الإسلامية لها مجالس شريعة خاصة تحرص على تنفيذ الشريعة. لذلك هي تمتلك نظاما إدريا دوليا فريدا ومتميزا ويختلف عن الصناعة المالية التقليدية (Mihajat، 2019).

وعلى الرغم من أن عمان هي آخر دولة في الشرق الأوسط تقدم الخدمات المصرفية والتمويل الإسلامي، إلا أنّها أنشأت خدمات مصرفية إسلامية في السنوات الست الماضية مدعومة بإطار تنظيمي قوي صممه خبراء ومصرفيون وتمويليون إسلاميون ذوو خبرة في السوق المصرفي العالمي؛ حيث يغطي النظام جميع جوانب المصرفية الإسلامية (Mihajat، 2019). ويطبق هذا الإطار، أي الإطار التنظيمي للمصارف الإسلامية الصادر من البنك المركزي العماني، على البنوك الإسلامية الكاملة وكذلك النوافذ الإسلامية التابعة للمصارف التقليدية المرخصة للعمل في السلطنة.

ويوجد في عُمان حاليا بنكان إسلاميان متكاملان (بنك نزوى وبنك العز الإسلامي) وستة نوافذ إسلامية (اليسر للخدمات المصرفية وميثاق للخدمات المصرفية الإسلامية ومزن للصيرفة الإسلامية وصحار الإسلامي، وميسرة الإسلامي، والهلال الإسلامي).

 

نمو الخدمات المصرفية الإسلامية العُمانية

مستقبل البنوك الإسلامية في عمان واعد كثيرًا مقارنة بنظيرتها في البلاد. فحتى نهاية عام 2015، بلغت الحصة السوقية الإجمالية للمصارف الإسلامية في عمان 7.75% من إجمالي الأصول المصرفية في السلطنة. بينما في نهاية عام 2016، بلغت الحصة السوقية للمصارف الإسلامية في عمان 10.3% أي ما يعادل 3.1 مليار ريال عماني مع 71 فرعاً في جميع أنحاء عمان. بنهاية عام 2018، حصل البنك الإسلامي على أصول بلغت قيمتها الإجمالية 4.3 مليار ريال عماني تمثل حوالي 13 في المائة من الأصول المصرفية في السلطنة. في هذا العام، تمكنت الخدمات المصرفية الإسلامية في عُمان من تحسين ربحيتها بشكل كبير إلى أكثر من 34 مليار ريال عماني أو زيادة نسبتها 76 في المائة مقارنة بالعام السابق. ووفقًا لتقرير خدمة المستثمرين من موديز، اعتبارًا من نهاية عام 2018، تعتبر المصارف الإسلامية في عُمان السوق المصرفية الإسلامية الأسرع نموًا في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي بمعدل نمو يبلغ 14 في المائة. وتوقعت وكالة موديز أن تستمر دول مجلس التعاون الخليجي في ضخ ونمو أصول التمويل الإسلامي العالمي للسنوات القادمة وستظل قوية مع آفاق طويلة الأجل.

وبحسب النشرة الصادرة عن البنك المركزي العماني، في نهاية عام 2019، تمكنت الكيانات المصرفية الإسلامية من تمديد التمويل إلى 4 مليارات ريال عماني، مسجلة نموًا بنسبة 11% مقارنة بالعام السابق. كما سجل إجمالي الودائع التي تحتفظ بها الكيانات المصرفية الإسلامية زيادة بنسبة 10.3 في المائة إلى 3.6 مليار ريال عماني. في حين ارتفع إجمالي أصول الكيانات المصرفية الإسلامية إلى 4.9 مليار ريال عماني في نهاية ديسمبر 2019 وشكل حوالي 13.9 في المائة من أصول النظام المصرفي. يرجع هذا النمو السريع جزئيًا إلى التعلم من التجارب من السلطات القضائية الأخرى. لا يسمح البنك المركزي العماني لـIBEs باستخدام عقد بيع العينة والتورق في منتجاتهم لأن هذه العقود لا تزال محل نقاش بين بعض علماء الشريعة العالمية.

وعلى صعيد الربحية، تمكن القطاع المصرفي العماني الإسلامي في عام 2018 من تحسين النمو بشكل كبير إلى 76 في المائة مقارنة بالعام السابق، بما يزيد عن34  مليون ريال عماني. هذا الإنجاز الهائل الذي تحقق بسبب العمل الجاد وتصميم أصحاب المصلحة في البنوك الإسلامية الذين يتعاونون لجعل الحلم ممكنًا. ومع ذلك، يجب تحذير البنوك الإسلامية من الراحة الذاتية والرضا الذي من شأنه أن يعرضها للخطر وتيرة النمو للسنوات الخمس المقبلة. خاصة هذا العام 2020، وهو أصعب وقت بالنسبة للقطاع المصرفي الإسلامي للحفاظ على النمو وسط Covid-19. حيث يبدأ البنك المركزي العماني في هذه الحالة مع الأطراف المعنية بتطوير خطة تأمين الودائع المصرفية الإسلامية (IBDIS) التي تهدف إلى تغطية الودائع وحسابات الاستثمار التي يتم دفعها من قبل الكيانات المصرفية الإسلامية. بالإضافة إلى ذلك، تمكن البنك المركزي العماني أيضًا من استكمال الأسس لتقديم حلول إدارة السيولة الإسلامية للكيانات المصرفية الإسلامية التي لا توفر فقط حساب ودائع مجز، ولكن أيضًا تنشئ تسهيلات وسيولة دائمة وتكون ملاذا ومقرضا أخير.

التحديات المستقبلية

قبل انتشار وباء Covid-19 في جميع أنحاء العالم، توقعت الكيانات المصرفية الإسلامية في عُمان أن تحقق رقماً قياسياً من الإنجازات الرائعة على مدى السنوات الخمس المقبلة. ومع ذلك، على الرغم من التحدي الكبير الذي تواجهه أمام تفشي مرض كورونا، إلا أن هناك العديد من التحديات التي لا تزال تهدد قطاع الصيرفة الاسلامية في السلطنة مثل نقص الوعي بالمعاملات والأنشطة المصرفية الإسلامية، ومحدودية المعروض من رأس المال البشري المؤهل في التمويل الإسلامي، وعدم كفاية أدوات السيولة في سوق المال الإسلامي، وعدم إصدار الصكوك وتوافرها في السوق الثانوية. لذا يجب معالجة هذه التحديات بشكل جماعي من قبل أصحاب المصلحة في الخدمات المصرفية الإسلامية من أجل تحقيق النمو المستدام لهذه الصناعة، خاصة في مجال مسائل الشريعة حيث يحتاج اللاعبون الرئيسيون في البنوك والنوافذ الإسلامية إلى دمج حوكمة الشريعة في إطار حوكمة الشركات.

حان الوقت للبنوك الإسلامية للقيام بدور رئيسي وسط تفشي الوباء. السؤال هو ما إذا كان البنك الإسلامي قادرًا على تطوير نموذج الأعمال، وتحويل العمليات، وتكييف المنظمة، وأخيرًا إجراء التغييرات الجذرية وسط وباء الفيروس التاجي أم لا. في السابق، اعتدنا على مناقشة وضع ابتكارات لطريقة إجراء المدفوعات الرقمية وإمكانية تبسيط البنوك الإسلامية لهذه التكنولوجيا. أما اليوم وسط جائحة الفيروس التاجي فلا بد من توفر هذه الخدمات الرقمية. أما بالنسبة في عمان، فإنه يمكننا حاليًا استخدام أنظمة الدفع بلمسة واحدة باستخدام الباركود في الهواتف الذكية دون استخدام أي نوع من البطاقات.

على الرغم من جميع التحديات المذكورة أعلاه التي ستواجهها البنوك الإسلامية والتمويل الإسلامي، إلا أننا ما زلنا نتوقع أن تستمر الصناعة في النمو -على الرغم من أنها أقل من المتوقع- خاصة بالنسبة للأسواق الجديدة التي تستعد لتبني خدمات المصرفية والتمويل الإسلامي من خلال تنظيمها الفريد والجديد وفقًا لاسعادادتها التشريعية والمساهمين والمنتجات الجديدة الأكثر ابتكارًا. لذلك، وسط حالة تفشي المرض، يجب على البنوك الإسلامية تغيير استراتيجيتها، ومراجعة ميزانيتها، والتخطيط لأسوأ الحالات.

يجب أن تركز الميزانية والاستراتيجية المصرفية الإسلامية الجديدة على فئتين رئيستين من التمويل:

أولا: تمويل القطاع الصحي؛ حيث يجب على الكيانات المصرفية الإسلامية تحويل تمويلها على المدى القصير والمتوسط ​​إلى قطاع الصحة إذ يقدم هذا القطاع مساهمة كبيرة في الاقتصاد الحالي لذلك، يجب إعطاء هذا القطاع الكثير من التركيز والتركيز. خاصة الصناعات والخدمات الطبية ذات الصلة التي يمكن تصنيعها محليًا من قبل الشركات المحلية مثل إنتاج أسرة المستشفيات، والأقنعة، وأجهزة التنفس، وأدوات الفحص، ومعدات المستشفيات، والأدوية، واللقاحات، إلخ.

ثانيا: تمويل قطاع الزراعة والغذاء؛ حيث يظهر التفشي الحالي أن الأمن الغذائي يحظى بأولوية كبيرة من قبل الحكومة. خاصة عند الحجر المفروض من قبل الحكومة حيث يحاول الكثير من الناس شراء أكثر من المعتاد من أجل حمايتهم وأسرهم من الجوع في حالة حدوث أسوأ سيناريو. لهذا السبب في الوضع الحالي يعتبر شحن البضائع مفيدا جدًا لتصدير واستيراد المواد ذات الصلة بالأغذية. لذلك، إذا كان يمكن أن تلعب المصرفية الإسلامية دورا رئيسيا في هذين القطاعين، حيث يمكنهم تحويل الوباء من تحدٍ إلى حصانة.

تعليق عبر الفيس بوك