الحمدُ للهِ

حاتم الطائي

الحمدُ للهِ.. كلمةٌ خفيفةٌ على اللسان، لكنّها تعبر عن معانٍ كثيرة لا حصر لها، وتعكس مشاعر إنسانية لا يمكن استيعابها في سطور هذا المقال، والمؤكد أنّ الكثيرين في العالم يرددونها ليل نهار، غير أنّ الظرف الذي نحياه الآن يفرض علينا أن نُكثِر من قولها، بإيمانٍ خالصٍ، ويقينٍ راسخٍ بأنّ علينا أن نحمد الله في السرّاء والضرّاء.

والحمدُ للهِ؛ ليست فقط مفردة لغوية ذات دلالات دينية أو روحية، لكنّها أيضُا فلسفة عميقةُ المغزى وبعيدةُ الهدف، والحمدُ والشكرُ نعمتان مترادفتان، ونحن في كل صلاة نؤديها نقرأ أول ما نقرأ بعد البسملة: "الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمِين"، فيتولّد لدينا شعورٌ عظيمٌ تجاه خالقنا ربِّ العالمين، وندركُ حقَّ الإدراكِ بأنّ الله سبحانه وتعالى جدير بالحمد والشكر، وهنا لا نحصي على الله حمدًا أو شكرًا، لكنّنا نؤكّده ونُشدِّد عليه.

ويقول المولى جلّ في علاه: "لئن شكرتم لأزيدنكم"، وهذا من منطلق أنّ شكر النعمة أمرٌ واجبٌ على كلِّ إنسان، ينعمُ بعطايا الإلهِ الجزيلة، ويحيا في خيرِ الرحمن، إذ لا يُنكِرُ حمدَ الله أو يرفض شكره إلا كل جبارٍ عتيد، يتكبّر على الله، وهذا ما لا يجب أن يحدث أبدا.

و"الحمدُ لله" اعترافٌ من الإنسان ورضا بما قسمه الله له مِن رزق؛ والرزق هنا ليس المالَ فحسب؛ بل هو مفهومٌ أشملُ وأعم، فالأسرةُ الطيّبة رزقٌ، والوظيفةُ رزقٌ، والصحةُ رزقٌ، والأمنُ والأمانُ في الوطنِ رزقٌ؛ وعندما يدرك الإنسان كلَّ هذا الرزق فعليه أن يحمدَ الله حمدًا كثيرًا، فلقد أخبرنا النبي الكريم صلّى الله عليه وسلم أنّ "من أصبح منكُم آمنًا في سربه، مُعافًى في جسدِه، عندهُ قُوتُ يومه فكأنّما حِيزَت لهُ الدُّنيا بحذافيرها"، ونحن في بلادنا- وللهِ الحمد- آمنين في سربنا، معافين في أجسادنا، ونملكُ قوت يومنا، ومن ثمّ ينطبقُ علينا قولُ النبيِّ الذي لا ينطق عن الهوى بأننا نملكُ الدنيا.. نعم هناك من ابتلاهم الله بالمرضِ أو ضيقِ الرزقِ، أو فقدانِ الأمنِ والأمانِ، لكن علينا أن ننظر دائمًا لما بين أيدينا مِن نعم، وندعو الله أن يرزقَ بها غيرنا.

إنّ مفهومَ الحمدِ وارتباطِه بالإله البارئ، يحملُ الكثير من الدلالات، ويفرض علينا الكثيرَ من الالتزامات، فمتى ما شكرنا وحمدنا الله وجدنا الخير في ازدياد، ولذا يجب علينا كلما أدركنا قيمةَ النعم التي نَنعمُ بها، أن نحمد الله، فالحمدُ ينبغي أن يكونَ في السرّاءِ والضراءِ، وفي كل وقتٍ وحين..

وأخيرًا.. يقول المولى عزّ وجل في سورة يونس عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أنّهم يدعون الله دائمًا وأنّ (آخر دعواهم أنٍ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين)، فهلّا حمدنا اللهَ على نِعَمِه الوفيرةِ وعطاياهُ الجزيلة..