أزمة ثقة وليست أزمة كورونا فقط

جيهان رافع

عندما تضيء على الوجه من مسافة قريبة تظهر تفاصيله أكثر بكثير من الإضاءة عليه من مسافة أبعد وهذا ما تفعله الأزمات تكشف بدقة ما بداخل كل منا. كالأزمة الحالية من وباء كورونا.

قبل الأزمة تبدو كأنك تقف على ذروة أحلامك الشاهقة تنظر إلى الأسفل بكامل خوفك من السقوط فأنت لا تثق بذلك، ترى البخار الذي يتصاعد نحوك رويدًا رويدًا، وحين تستيقظ على صفعة أزمة مثل هذا الوباء يعمل تفكيرك للتخفيف من حدة الألم، باستبعاد الحدث عنك عن وطنك أولا ثم تدخل الوطن فيبعدها تفكيرك عنك ليبدو احتمال الوقوع بالأزمة ضئيل، وكلما انتشرت من حولك وشعرت بالخطر تبدأ أحلامك ببعدها تفر من يدك كخرز سبحة قطع وترها. 
ومن وسط الاختناق تبحث عن أنفاسٍ من أمل ويبدأ التبرير كأن تقتنع أنّ الطبيعة أرادت معاقبة عدوها الإنسان فأرادت أن يبقى بين الجدران مقيدًا غير قادر على الاستمرار في تشويه نقائها، وعزلته عن الحروب التي أنهكت شجرها وزهرها وقضت على الإنسانية فيه، أو أنّ الله يريد من الناس عودة إيمانهم بعظمة وجوده.

تتحول الأمور تلقائيًا لتجد حلولا تدافع بها عن بقائك، ولكي تخرج بأقل الخسائر والتأقلم أحد أسلم الطرق التي ابتكرها العقل البشري يزداد الخوف والأمل بوتيرة متذبذبة، ويقل الشعور بالأشياء البسيطة التي كان تفكيرك يضخّمها ليعيش ألمها أكثر من اللازم. ورغمًا عنك تجد صلابتك وتجدد قوتك لأنّك وكما قال بودلير "وبكُل هَشاشتك لا يحقُ لكَ أن تميل لأنّ ثمة من يتَّكئ عليكْ".
أنت اليوم تتحكم بردة فعلك إما أن تكون غير مبالية فتجلب الشر لبيتك ولمن حولك ولك وإما أن تكون إيجابية متفهمة واعية على قدر المسؤولية فتنقذ نفسك ومن حولك وبشكل غير مباشر سلبًا أم إيجابًا تؤثر على الكثير من الناس وحينها، فقط ستعلم جيدا أنّ الخوف قرار والهزيمة افتعال والثقة إقرار.

وأنّ في العودة إلى الله ستجد ملاذًا آمنًا أكثر من كل الأشياء التي تفعلها وتبحث عنها، وخاصة إذا كنت من الذين يضعون أيديهم على قلوبهم فلا يسمعون أصواتًا لمظلومين فيطمئنون.

 ولأوّل مرة ستشعر أنك تدافع عمّا كان تنفيذه هو الأصعب بالنسبة لك، تحلل، وتنتقد ثم تعلن لنفسك إفلاس جعبتك من المحاضرات والتوجيهات والمقارنات، وتشد على يد الصحب بردة فعلٍ قليلة الأمل لكنها كثيرة الإنسانية؛ وقوية الشعور بالآخر.

ولا شكّ أن موجة التشاؤم التي تظهر على السوشيال ميديا وفي الأخبار هي أشدّ فتكًا ببقايا الآمال التي كونتها داخلك لتحمي نفسك من الغرق في الخوف، وأن صناعة الفرح من قلب الألم أصعب امتحان يمر فيه إيمانك بالله وبالقدر الذي لا يؤجل أجل أحد ولا يقرّب أجلًا بعيد وكما قال المثل: "من لديه عمر لا تقتله شدّة".