الرؤية – محمد البرمي
تسير ألمانيا بخطى ثابتة للخروج من أزمة انتشار فيروس "كورونا" بفضل التعامل الجيد وبهدوء وخطى ثابتة ما جعل العالم يشير بأصابعه نحوها على أنها النموذج الأفضل حاليًا، ليس ذلك فقط لكنها أيضًا فتحت أبوابها لاستقبال بعض المرضى من فرنسا وهولندا وإيطاليا.
حتى الآن تمتلك ألمانيا السجل الأفضل بين الدول الغربية والكبرى في التعامل مع الفيروس، بنسبة وفياتٍ لا تتعدى 1.2% من إجمالي المصابين، مقارنة بنسبة 2.7% في الولايات المتحدة، و4.1% في الصين، و8.4% في فرنسا، و9.4 في إسبانيا، و10.3% في بريطانيا، و12.3 في إيطاليا، وقد يعود ذلك إلى البنية الصحية المُتطورة التي تُغطي كل مناطق البلاد وهذا ما ساعدها في إجراء فحوصات مستمرة على المواطنين، وصلت إلى نصف مليون فحص في الأسبوع الواحد، كما أنها فرضت الحجر الصحي على كل القادمين من الخارج، ونجحت في الوصول بعد فحص الآلاف من ساعات الفيديو في الوصول إلى المريضة صفر والتي نقلت الفيروس إلى 16 شخصاً لتنجح بذلك في محاصرة الانتشار.
وبحسب "دويتش فيلا" الألمانية قالت سوزانا غلاسماخر، المتحدثة باسم معهد روبرت كوخ "أوصينا بحملة فحص واسعة في أولى علامات الوباء للكشف عن الإصابات بأسرع وقت ممكن وإبطاء العدوى". يذكر أنَّ معهد روبرت كوخ مؤسسة حكومية والهيئة المرجعية المخولة رسمياً بتقييم مخاطر وباء فيروس كورونا في ألمانيا. وهو ما ذهب إليه كريستيان دروستن، خبير علم الفيروسات في مستشفى شاريتيه في برلين، الذي أوضح أنَّه مقتنع بأنَّ "حملة الكشف المبكر جعلت من الممكن اكتشاف الوباء بسرعة".
وتعتمد ألمانيا في الأوقات العادية على عشرين ألف سرير للإنعاش والعناية المركزة، ورفعت هذا العدد بعد أزمة كورونا إلى أربعين ألف سرير، منها ثلاثون ألف مجهزة بآلات التنفس، أما فرنسا فكان عدد الأسِرة المماثلة فيها،لا يتجاوز 5000 سرير قبل الأزمة. وتسعى الحكومة الفرنسية إلى رفع العدد إلى 14 ألفاً في الأسابيع المقبلة. يوفر النظام الصحي الألماني 6 أسرة لكل 1000 نسمة، ما يجعلها تحتل المرتبة الثالثة عالميًا، بعد اليابان وكوريا الجنوبية، فيما تملك إيطاليا 2.75 سرير لكل 1000 نسمة، وإسبانيا 2.9، وفرنسا ثلاثة فقط.
لكن بالعودة إلى كيفية التعامل مع الأزمة فسنجد أن ألمانيا استعدت منذ منتصف يناير من خلال إعداد اختبار للكشف عن الفيروس قبيل وصوله إلى أراضيها، ووزعت تركيبته على عشرات المختبرات في كل ألمانيا، وقامت هذه بالاستعداد. ولما اكتشفت أول حالات الإصابة بالفيروس في فبراير، كانت السلطات الألمانية الصحية قد استعدّت بأعداد كبيرة من الاختبارات، وبدأت في تطبيقها على نطاق واسع.
بحسب وزير الصحة الألماني ينس سبان، قال إن ألمانيا تجري حاليًا 100 ألف اختبار فيروس كورونا يوميًا، واليوم وحتى كتابة هذه السطور تجاوز الفحص مليون وهو رقم كبير جدًا مُقارنة بباقي أوروبا فتشير الإحصائيات إلى أنَّ إيطاليا أجرت 675 ألفاً و355 ألفا في إسبانيا، و224 ألفا في فرنسا، و183 ألف اختبار فقط في بريطانيا.
التلفزيون الألماني نشر تقرير استند إلى تحليلات فرنسية وبريطانية عن التعامل الألماني الناجح مع الأزمة معددًا بعض النقاط منها النقطة التي أحب أن أشير إليها لأنها تساعد في علاج الأزمة وبها عامل كبير هو العامل الثقافي الذي لعب دورًا في معدل الوفيات، كما أن معدل أعمار المصابين في ألمانيا لا يتجاوز الـ 47 عاما، مقابل 63 في إيطاليا، لأن 6 % فقط من الألمان "بين 30 و49 عاما" يعيشون مع والديهم مقابل 20% في إيطاليا، وهو ما ساهم في انحسار عدد الوفيات عن الدول الأخرى، رغم أن إيطاليا وألمانيا تحتلان المركزين الثاني والثالث بعد اليابان الأولى من حيث نسبة كبار السن في العالم.
على المستوى الاقتصادي تعتزم الحكومة الألمانية تقديم قروض مع ضمانات بقيمة لا تقل عن 550 مليار يورو في أكبر إجراءات استثنائية منذ الحرب العالمية الثانية، وذلك في محاولة للتصدي لتداعيات فيروس كورونا على أكبر اقتصاد في أوروبا.
إذاً فما يميز ألمانيا عن غيرها الاستعدادات والسيناريوهات التي جهزتها في التعامل مع الأزمة لتمكنها من السيطرة على "فيروس كورونا" رغم أن عدد الإصابات لديها يتجاوز الـ 100 ألف لكننا اليوم نشير إلى عودة الحياة من جديد إلى طبيعتها، فبحسب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل فإن أحدث الأرقام المتعلقة بانتشار فيروس كورونا في ألمانيا، تبعث على الأمل، لكنها أكدت استمرار القيود على الحركة في البلاد، إلى ما بعد عيد الفصح.
وأوضحت ميركل خلال مؤتمر صحفي في برلين الخميس الماضي: ''أحدث التطورات في الأرقام المتعلقة بانتشار الفيروس تبعث على الأمل الحذر. إن منحنى الفيروس التاجي يتسطح قليلاً ويقل عدد المصابين حاليًا قليلاً".
ومع ذلك، حذرت ميركل من أنه على الرغم من الاتجاه الإيجابي لألمانيا فيما يتعلق بالفيروس التاجي، يجب على المواطنين الالتزام بقواعد التباعد الاجتماعي خلال عطلة عيد الفصح.
وتابعت المستشارة الألمانية، أنه "علينا أن نتمسك بهذا خلال عيد الفصح لأننا نستطيع تدمير ما حققناه بالفعل بسرعة كبيرة"، وأوضحت ميركل أنَّ قرارًا بشأن ما إذا كان سيتم تخفيف القيود وكيفية تخفيفها سيعتمد على دراسة علمية واسعة النطاق تنشر الأسبوع المقبل.