إدارة التغيير من أجل عمان

إدارة التغيير من أجل عُمان

حميد بن مسلم السعيدي
Hm.aslaidi2@gmail.com
الوطن هو الرِّسالة السَّامية التي تُكتب على جَبين كل مواطن، لا يرى أرضًا سوى تُربتها، ولا قلبًا يضمه سوى حضنها، هي عُمان التي ينبغي أنْ تكون في قُلوبنا، هي رسالتنا التي ينبغي أن تكون واقعا نمارسه في حياتنا، هي مَبادئنا وقيمنا النبيلة التي نسمو بها أمام الأمم، بدونها لا وجود لنا، ولا قيمة لأعمالنا إذا لم تكن من أجلها؛ حيث يظهر معدن الرجال ونبلهم ووفاؤهم وقت الأزمات، وتظهر المواطنة الفاعلة عندما تُكشف كل الملفات وتتعرى كل الحقائق، وتتضح كل الإشكاليات الوطنية، ويصبح كل شيء أمام الجميع ليصدر الحكم؛ فالأحكام إنْ غابت عن عدالة الأرض فلن تغيب عن عدالة السماء، فالكل سوف يرحل وتبقى هذه الأرض الخالدة النابضة بالحُب والوفاء لمن يُقدرها ويعمل لأجلها، ويبقى الوفاء والشرف لعُمان دون غيرها، حيث تتجلى أسمى فضائل المواطنة في المواطنين الأوفياء.
هكذا يعمل المواطنون الأوفياء في هذا الوطن، والذين يقدرون قيمة عُمان ومكانتها من خلال التضحيات الجسام التي يقومون بها، بعيداً عن السَّعي نحو تحقيق المآرب والمصالح الخاصة؛ لذا عُمان تتقدم بصورة كبيرة لتواجه أشد الصعاب وأكثرها ضراوة في العصر الحديث، لتقدم رسالة واضحة المعالم لكل من يعتقد أو يُوهم نفسه أمام شموخ هذا الوطن وعزته، مُستلهمين من الفكر السامي للمغفور له جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور -طيب الله ثراه- رسالة الكفاح والتضحيات من أجل الوطن، "الدرب شاق وطويل، ولكن بالجهد والمثابرة سوف نصل إلى أهدفنا بأسرع وقت"، هكذا يعمل المخلصون من أجل عُمان، ومن أجل أن يكون هذا البلد في الريادة "إنَّ الأمم لا تُبنى إلا بسواعد أهلها"؛ لذا استمرت النهضة تخطو بخطوات نحو المستقبل في بنائها لكيان راسخ ومتقدم بين الأمم.
في ظل كلِّ ما يحدث على مستوى العالم من إشكاليات مُتعددة؛ سواء بانتشار جائحة كورونا كمرض خطير سريع الانتشار، وانخفاض أسعار النفط، والإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدول من أجل حماية شعوبها من انتشار المرض، تتَّضح العديد من الرؤى والحقائق التي ينبغي أن تكون حاضرة في الوقت الحاضر؛ من أجل مُعالجتها وفقا للتوجهات والرؤى السامية لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، الذي وضع مسارًا واضحًا للمستقبل في خطابه؛ وأكد أنَّ المرحلة المقبلة هي مرحلة التقييم والتطوير في كافة القطاعات والمؤسسات الحكومية، والتركيز على الكفاءات الوطنية المخلصة التي تعمل من أجل الوطن، "لتحقيق أهدافنا المستقبلية، فإننا عازمون على اتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة، وتحديث منظومة التشريعات والقوانين، وآليات وبرامج العمل، وإعلاء قيمه ومبادئه، وتبني أحدث أساليبه، وتبسيط الإجراءات وحوكمة الأداء والنزاهة والمساءلة والمحاسبة".. هذه الكلمة تقدم مجموعة من الأساسيات التي ينبغي العمل عليها، خاصة مع وضوح العديد من الإشكاليات في ظل الأزمة العالمية التي نشهدها؛ سواء من حيث هيكلة المؤسسات الحكومية والشركات، أو من حيث إعادة التركيز على البناء الإداري لها؛ من خلال انتقاء الكفاءات الوطنية، وإيجاد منظومة متابعة وحوكمة تمكِّن جهات الرقابة من إصدار أحكامها الدقيقة وتقييم العمل الوطني.
فـ"كورونا" وغيره من الأحداث السابقة كشفتْ العديد من القضايا والإشكاليات الوطنية التي أصبحت متاحة للجميع، وكشفت عن مدى سيادة المصالح الخاصة على مصلحة الوطن، وأنَّ البعض كان يعمل من أجل الآخرين، ومن أجل ملء جيوبه بالمال بأي شكل كان، مستفيداً من خيرات هذا الوطن، ومستفيداً من كافة الصلاحيات والمِنَح التي مُنحت له في سبيل العمل من أجل عُمان، لكنه عمل من أجل تحقيق مصالح الآخرين وتسهيل تحقيق مآربهم الخاصة؛ مما أثر على المصلحة الوطنية العليا، وأثر على العديد من المنافع الوطنية، بل إنَّ بعضهم كان يسعى لإعاقة عمليات التطوير والتقدم في هذا الوطن، من أجل مصالح مادية، واليوم كُشِفت كل الملفات وتعرَّت كل المصالح، في ظل تعليق العديد من المؤسسات والحدود البرية والجوية، وأصبحنا نَرى مدى التحجيم للعديد من المواقع والمكتسبات العمانية التي لم يتح لها المجال للاستفادة من إمكانياتها وقدراتها الإستراتيجية؛ ومنها: الموانئ البحرية والمطارات الجوية، وخطوط الملاحة البحرية، والشركات الحكومية، التي فُعلت فقط من أجل الرواتب العالية دون تحقيق جدوى اقتصادية تعود بالنفع على الوطن.
وفي ظل كل هذه التداعيات التي كشفها "كورونا"، نحن بحاجة للعودة إلى قراءة الخطاب السامي لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، الذي تضمَّن العديد من الرؤى والمبادئ الوطنية، بل وقدم إستراتيجية وطنية بحاجة لتجسيدها على واقع بالعمل على إعادة إصلاح المؤسسات الحكومية وصياغة القوانين الاقتصادية التي تخدم الوطن خاصة في قطاعات (التعليم، والزراعة، والتجارة والصناعة، والنقل، والشركات الحكومية)، بما يساعد على إعادة عملية استغلال الموارد العُمانية بكافة أشكالها وأنواعها بما يحقق العائد المادي والمعنوي، ويتيح المجال للمواطن العماني أن يعمل من أجل توفير مصادر الرزق له، بعيداً عن التكتلات الاقتصادية التي تعمل من خلال توغل مصالحها في المؤسسات الحكومية وتسعى لتحقيق مصالح الآخرين من خلال تأثيرها على القرار الإداري في المؤسسات.
نحن أمام مرحلة تتطلب التغيير والتطوير والاستبدال في ذات الوقت، من أجل البحث عن الكفاءات الوطنية المخلصة والشابة ذات الفكر العميق والمواطنة الفاعلة التي لا ترى إلا مصلحة الوطن، من أجل تحقيق غاياته العليا؛ لذا فإنَّ أهم البنود التي بحاجة للتغيير هي نظام الهرم الأعلى في المؤسسات الحكومية والشركات الحكومية، والتي منحت لهم الفرصة في عملية التطوير لكنهم لم يحققوا شيئا في سبيل الوطن، وقد حان الوقت لإعادة تغييرهم بالكفاءات الوطنية التي نادى بها جلالة السلطان هيثم بن طارق، بل والعمل على إعادة صياغة القوانين الوطنية؛ بحيث لا تسمح للمتنفذين استغلالها لمصالح خارج نطاق الصالح العام؛ فالوطن أولى بالتضحيات في سبيله، والعمل على إعادة البناء من جديد، والتغيير مطلب وطني ينبغي تقبله والعمل على تفعيله من جديد؛ فالعالم اليوم يكتشف مدى الحاجة إلى الانغلاق الذاتي والاعتماد على الموارد المحلية؛ سواء كانت موارد طبيعية أو موارد بشرية، من أجل تحقيق الحياة الآمنة للإنسان العماني، ولا يُمكن تحقيق ذلك إلا من خلال وضع الضوابط التي تركز على الإنتاجية والقدرة على التغيير والقيادة الفاعلة نحو مستقبل متقدم لهذا الوطن.