العدو الصامت

 

خالد الطويل

يُطلِقون عليه اسم كوفيد 19، أتى إلينا مُتغطرسًا يجرُّ خلفه ذيولَ التحدي، أشهر سيوفَه في وجه البشر وراح يخطُو مُتنقلا بين البلدان بكل عنجهية، حتى أصبَح العالم بعده غير العالم، واختنقت أركان الدنيا، وضجَّت الأرض سعالا حتى استعرت أجساد البشر.

كُنا لا نُدرك نِعمة الحرية حتى شعرنا بأكباله في أرجلنا، وكنا لا نشعر بطعم الإلفة حتى فرقتنا أطيافه المتنقلة، وصارت لذة الأمس البسيطة حلمَ اليوم، نهيم نهارنا نبحث عن معلومة ونسهر ليلنا خوفا ورعبا نتوجَّس من كلِّ صَوت مشبُوه ونوسوس لأي عارض، نلتفتُ يمينا وشمالا وكأنه يختبئ لنا بين الجدر أو تحت الرفوف، صِرنا نخشى أن يخرج لنا من بين صفحات الكتب.

إلى أين تأخُذنا أيًّها الكائن الصغير الفتاك؟ ومن أي نافذة ستخرُج، ومتى سنحتفل بفراقك؟! كلها أسئلة أصبحت مُسجاة على طاولة الأيام لا نعلم لها أجوبة.

غيرت كل شيء وصلت إليه يداك، وأصبح التهديد أسلوبَك، والمرض سلاحك، لم يعُد يهنأ لنا بال بعد أن أسكنت الذعر في أفئدتنا.

نسخط عليك تارات، وتارة نقول بأنك أتيت لتصحِّح لنا بعض المفاهيم، فرضت علينا العزلة لنكون الأقرب لبعضنا، ونستريح في كنف أسرنا من عناء الحياة، لأول مرة نشعر أن الإجبار جميل، وصرنا يدًا واحدة همُّنا أنْ نُحافظ على جسد الوطن، برزت في الأفق ثقافة المجتمع ووعي الناس، وأدركنا حجم المسؤولية حتى صِرنا نُمارسها ونوصي بعضنا بها.

وفي المقابل، سقطتْ على يديك أقنعة، وانكشفَ الحال، ولم يعُد للدعايا مجال؛ فواقعك فرض نفسه وسار يفتح الأبواب دونما طرق، تفاجأتْ بك دُول كُنا نعتقد أنَّها عظمى، حتى خرَّت شعوبُها صِراعا أمام جيشك، وازدادت ثقتنا بجهود حكوماتنا، بعد حنكتها في خنقك، ووأد أبنائك في مهدهم.

الأهم من ذلك كله: ما هي الدروس المستقاة من هذه التجربة؟ وكيف سنكون بعد هذا الدرس؟ المهم أننا مارسنا الطوارئ على عدو مُفترض، وسهرنا نذود عن أرض الوطن، تيقنا أنَّ ما حك جلدك مثل ظفرك، وأن التجارب هي ما يُصقل الأمم.

العالم بعد كوفيد 19 سوف يكون مُختلفا تماما، ويجب أن تُصقلنا التجربة لنكون على استعداد لتقبل ذلك الاختلاف.

للجيوش الصامتة، والأيادي التي أشهرتْ سيوفَها على حدودِ المشافي، وفي دَهَاليز غُرف العناية، أيُّها المُبحرون بنا إلى برِّ الأمان شكرا، أيًّها الساهرون ونحن نِيَام لكم ألف عافية، تتلعَثم الألسنة، وتتبعثر الحروف، ولا نجد من الكلام ما يُوفيكم حقكم.

كُنتم على قدر المسؤولية، والأجدر لحملها، قبلتم التحدي، وعِشتم سباقا مع الوقت لكي يكون الوطن بخير، وسوف يكُون بخير ما دام الأوفياء من أبنائه يقفون سدا منيعا، يذودون عنه بأرواحهم.. شكرا لكم بحجم السماء وعُمق الأرض.

تعليق عبر الفيس بوك